لم يكن غير متوقع أن يعترض البعض على تعيين 30 امرأة في مجلس الشورى في دورته الجديدة، خصوصاً وقد سبق وقت تشكيل المجلس الجديد بأسابيع قليلة حملات ممانعة حول تطبيق القرار (120) الشهير الذي يقصر بيع المستلزمات النسائية على المرأة السعودية. ولوعدنا إلى الوراء، سنجد قائمة طويلة من الممانعات حول قرارات أو ممارسات تتعلق بقضايا المرأة، سواء في ما يخص الترفيه كركوب الدبابات، أم في ما يخص تحصيلها العلمي كرفض الابتعاث اليوم، وصولاً إلى محاربة تعليم البنات من عقود مضت. اعترض من اعترض بتنظيم مسيرة، أوكتابة خطاب، أو من خلال حملات إلكترونية أو "أوسمة" ترفض الحدث، وصولاً إلى جمع تصريحات وصور لعضوات الشورى الجديدات لإيصال رسالة تُظهرن بصورة تصطدم مع بعض فئات المجتمع. رافقت هذا الاعتراض، أصوات نسائية تقول أنها تؤيد دخول المرأة إلى مجلس الشورى، لكنها لا تعترف بالسيدات المختارات، لأنهن لا يمثلن المرأة السعودية ولا قضاياها. ليس لأنهن وصلن إلى المجلس بالتعيين فقط، ولكن لأن توجهاتهن لا تتفق مع ما تريده المرأة السعودية حقيقة، ملمحات إلى تقرير نشرته إحدى الصحف المحلية عن أن عضوات الشورى سيناقشن قضية قيادة المرأة للسيارة. وانطلاقاً من هذا التقرير، وغيره من التصريحات التي صدرت خلال السنوات الماضية عن بعض الشخصيات النسائية التي يعرفها الإعلام، تقرر أن العضوات لا يمثلن المرأة السعودية لأنهن بطريقة أو بأخرى ينادين بتطبيق اتفاقية "سيداو"، وبعضهن لا يلتزمن بالحجاب الكامل، ويختلطن بالرجال، ويدعمن قيادة المرأة للسيارة. وأن تصريحاتهن تكشف اهتماماتهن، وتحصرها في مطالب نخبوية بعيدة عن قضايا المرأة "الحقيقية"، والتي تتمثل بشكل عام في قضايا المطلقات والمعلقات والمعلمات، وغيرها من مطالب الغالبية. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تعترض فيها نساء على قرارات تصب في مصلحتهن أو حتى مصلحة غيرهن من النساء، فقد كانت هناك ممانعات حول مطالبة بعض الناشطات بمشاركة المرأة في الانتخابات البلدية في 2011 من خلال حملة " لا لترشح المرأة لمقعد في الانتخابات البلدية، ونعم لحقوق المرأة الحقيقية"، والجزء الأخير من العنوان كثيراً ما يتردد، كمن يقلن: نحن لا نريد أن نقود سيارة، ولدينا ما هو أهم. وبغض النظر عن الاختلاف في الرأي والتوجه الذي يعتبر سمة طبيعية للتعددية في أي مجتمع، وبغض النظر عن عضوات مجلس الشورى اللواتي بالتأكيد تحمل كل منهن فكراً وخلفية خاصة بها قد تختلف أو تتفق مع غيرها، ولدى بعضهن تجارب عملية دولية يمكن حتماً الاستفادة منها في الاستشارات والدراسات، إلا أننا لابد أن نتساءل عن حقوق المرأة "الحقيقية"؟ ما هي هذه الحقوق ومن يحددها؟ من يجعل منها "حقيقياً" يعبر عن المرأة، و"غير حقيقي"؟ من يقرر أن توجه هذه السيدة يمثل المجتمع والأخرى لا تمثله؟ ومن يقرر ما الذي تريده المرأة؟ وهل كل ما تريده النساء يمكن الاتفاق عليه دون خلاف؟ فكيف يمكن تحديد الأولويات التي تختلف تبعاً لحاجات الإنسان، وثقافته، وتجاربه، ووضعه الاجتماعي والاقتصادي؟ كيف نعرف رأي الغالبية؟ ولو تم الاتفاق على مطالب الغالبية، هل يلغي ذلك مطالب وحقوق الأقلية؟ أسئلة تحتاج إلى تفكير بعيداً عن حالات التشنج، والإقصاء، وفرض الرأي الواحد. فما الذي يمنع أن تتقدم عضو مجلس الشورى بمشروع يحد من البطالة النسائية، ويفتح فرص مجالات عمل مختلفة للمرأة تتناسب مع مؤهلاتها، مع مشروع يُمكن المرأة من استخدام وسيلة المواصلات المتاحة، إضافة إلى مشروع مواصلات عام مستقبلاً؟ فالوصول إلى العمل يتطلب وسائل مواصلات عملية، التي وفي حال السماح بها، لن تجبر جميع النساء على استخدامها، ولكن ستمكن من تحتاج إليها. وما المانع أن تحسم قضايا وحقوق المطلقات والمعلقات والأرامل من خلال نظام للأحوال الشخصية يضمن تنظيم علاقة أفراد الأسرة، فيحدد واجباتهم ويحفظ حقوقهم دون تعسف أو تسلط وبالتالي يحمي من العضل، والإجبار على الزواج، والحرمان من الهوية والعمل والسفر وغيره؟، والأمثلة كثيرة. حقوق المرأة " الحقيقية" هي التي تحددها تبعاً لحاجاتها وأولوياتها، وإن كانت المطالبات بحقوق إنسانية تكفلها الشريعة الإسلامية لغالبية أو أقلية، فلابد أن تحصل عليها من خلال أنظمة وقوانين تحميها الدولة لتكفل الحقوق لكل مواطنيها بلا تمييز.