تناولت الزميلة الدكتورة بدرية البشر أخيراً في مقال لها في صحيفة «الحياة» بعنوان «نريد أن نفهم هذه الاعتبارات الاجتماعية»، وذلك تعليقاً على موقف وزارة الشؤون البلدية والقروية، التي أعلنت سابقاً موافقتها على مشاركة المرأة في انتخابات مجالس البلدية، لتعود وتحسم الأمر باستبعاد مشاركة المرأة فيها، وتبرير ذلك من أجل بعض الاعتبارات الاجتماعية، وهذا الموقف أو التبرير في هذه القضية ليس فريداً من نوعه، فهناك الكثير من الملفات والقضايا الكبرى المتعلقة بالمرأة السعودية، التي لا يزال البت والإقرار فيها مرهوناً ومعلقاً منذ سنوات وحتى اللحظة بمدى جاهزية أو تهيؤ المجتمع السعودي لقبول تلك المستجدات والتطورات، ولعل من أشهر تلك القضايا على سبيل المثال لا الحصر قضية السماح بقيادة المرأة السعودية للسيارة وغير ذلك، وهذا التبرير البسيط المختصر والموجز من كلمتين تجاه قضايا وملفات كبرى تتعلق بنصف التركيبة السكانية البالغة قرابة تسعة ملايين امرأة في السعودية، أصبح من الصعب التسليم به حتى الآن وإطلاقه وطرده في كثير من قضايا المرأة، وكذلك لا يمكن اختزال المانع من تلك القضايا فقط بالموقف الاجتماعي من دون النظر والتأمل أيضاً في الموقف الديني والموقف الرسمي من صاحب القرار وهو الأهم! فأما ما يتعلق بخصوص الموقف من التبرير والرفض بحجة عدم قبول أو جاهزية المجتمع، فهناك من المراقبين أو المثقفين من يرى أن المواصلة والتكرار في مطالبة السياسي لحسم بعض الملفات الشائكة المتعلقة بالمرأة أثبت عدم نجاحه، وذلك لأن صاحب القرار السياسي يدرك مدى الحساسية الاجتماعية من بعض القضايا المتعلقة بالمرأة، ولذلك لا يمكن إقناعه باتخاذ قرارات كهذه من غير إيجاد قاعدة شعبية واسعة في المجتمع مؤيدة للمضي في تلك القرارات، وهو ما أشار إليه الكاتب عبدالرحمن الراشد في مقال له في صحيفة «الشرق الأوسط» بخصوص قضية السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، بأن «الغالبية الساحقة مفيدة حتى يصبح الأمر حقيقة بقليل من الدفع الرسمي له، فكثير من الممنوعات الاجتماعية والرسمية صارت أمراً واقعاً بفضل الرغبة الشعبية لها، كامتلاك صحون الاستقبال الفضائي، الذي على رغم حظره صار مفروضاً بالأمر الواقع، وبقيت الصحون على أسطح المنازل»، ورأى بأن إقناع الرأي العام في المملكة أهون من دفع الحكومة باتجاه قرار يسمح للمرأة بقيادة السيارة». ثمة من يرى بأن القضية يجب النظر إليها بشكل أكثر عمقاً من ذلك، فتأجيل الكثير من الملفات التي تخص المرأة وإلقاء مسؤولية ذلك على تغير أو قابلية المجتمع، على رغم التحديث والتطور والقفزات التنموية الكبيرة التي شهدتها المملكة طيلة السنوات الماضية للمجتمع السعودي وذلك على مختلف الأصعدة الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية يمثل إشكالية في فهم واستيعاب طبيعة مثل هذه المشاريع التحديثية ودورها الرئيس في النهوض والتغيير بأي مجتمع كان، ومن جهة أخرى نعم فثمة مؤثرات وآراء وخطاب ديني متشدد لدينا ممانع للتغيير جملة وتفصيلاً، له دوره في التأثير على أفراد المجتمع، وذلك من خلال التهويل في كل ما له صلة بالمرأة، وقد شهدنا في السنوات الأخيرة الكثير من تلك التحركات الرافضة لعدد من التطورات على صعيد المرأة، على رغم كونها ثانوية وليست جوهرية، كدمج رئاسة تعليم البنات، وإضافة مادة التربية البدنية في مدارس البنات، والسماح بإقامة المرأة في الفنادق من غير محرم، وقرار تأنيث المحال النسائية، وإصدار بطاقة المرأة وإلزام الطالبات بها في عدد من الجامعات، وإنشاء الأندية النسائية الرياضة وغير ذلك، وتم حسم معظم تلك الملفات والمضي فيها، على رغم تلك الممانعة بقرار من المسؤول الأول عنها، ولو لم يكن المسؤول هو المبادر إلى حسمها وتركت للموقف الديني والمجتمعي لظلت هي الأخرى عالقة حتى الآن! يشار هنا أيضاً إلى أن حجم هذا التأثير لتلك الآراء والتحركات لم يعد كما كان في سابقه، فالمجتمع ذاته ومن خلال الواقع العملي وتسارع المتغيرات من حوله لم يعد الرأي الديني المجرد هو المحرك الأول له في كل شيء، بل ثمة اعتبارات رئيسة أخرى أصبحت تلعب دوراً في تشكيل توجه المجتمع، إضافة إلى أن الركون إلى قابلية وتأهيل المجتمع ككل أو بصورة غالبية يتعارض مع الحد الأدنى من حرية الفرد الشخصية، ولا أعني بذلك المفهوم الواسع المتبادر من هذه اللفظة، بل أعني به حرية الاختيار في أسلوب تصريف شؤون الحياة اليومية، فثمة فرق بين القضايا والقرارات التي تمس المجتمع ككل وتكون ملزمة لجميع أفراده في إتباعها وتنفيذها، وبين تلك التي تمس الأفراد وتكون على سبيل الاختيار الشخصي، فقضية قيادة المرأة السيارة، على سبيل المثال، في حال إقرارها والسماح بها تبقى حقاً اختيارياً وغير ملزم لكل امرأة بقيادة السيارة، وكذلك المشاركة في مجالات الحياة العامة ونحو ذلك كلها من الأمور الاختيارية، وفي هذه الحال يبرز حق الفرد في تحديد اختياراته والقبول أو الرفض، ويتضاءل في المقابل أهمية وقيمة رأي المجتمع بصورة عامة! لكن ما يستلزم إيضاحه والتأكيد عليه ها هنا أن القضايا الكبرى والجوهرية المتعلقة بحقوق المرأة السعودية، كإصدار مدونة قانونية تشريعية تمنح المرأة حقوقها كمواطن وتحد من صلاحيات كل ما يعوق شؤونها الحياتية من عمل أو زواج أو سفر أو تعليم، وإصدار الأنظمة والقوانين كافة التي تضمن تفعيل مثل تلك المدونة على مستوى الأسرة والمؤسسات الحكومية يجب من صاحب القرار السياسي حسمها والمبادرة والتعجيل بإصدارها وإقرارها، وأن إقرار مثل هذه الأنظمة والقوانين ستسهم وبشكل رئيس مع الوقت في إذابة العقبات كافة الموجودة، سواء الاجتماعية أو غيرها، في مسيرة تطور وتوسيع مشاركة المرأة السعودية. * كاتب سعودي. [email protected]