لم يثر موضوع اجتماعي أو سياسي أو رياضي أسئلة ولغطا مثل ما أثارته التحولات التي شهدتها الأندية الأدبية، بل لا أبالغ إذا قلت إن ما كتب عنها في السنة الماضية تجاوز ما كتب إبان معركة الحداثة قبل عقدين من الزمان، وكل الأسئلة والطروحات التي كتبت تنتهي إلى أجوبة باهتة أو مطالب خيالية أو اقتراحات تنظيرية لا تملك أن تشكل تحولا إيجابيا، أوتعاطيا بناء يجعل الأندية تتجاوز كثيرا الصورة الانطباعية التي كان المجتمع يتعامل بها معها في الحقب الماضية. وللحق فلا بد من التسليم أن هذا اللغط والاستفهامات والإثارة ما جاءت إلا استجابة لتحولات مجتمعية، فالأندية (كغيرها من المؤسسات) أمام مجتمع بات واعيا ينتظر مشاركة في الإقلاع الحضاري، وأضحى الحراص على بناء الإنسان يتابعون أنشطتها، ويراهن بعضهم عليها، وللحق أيضا فإن القلق على مستقبل الحركة الثقافية غريرة فطرية لدى كل من يحمل هما ورسالة، ومن هنا فمن حق المجتمع أن يطالبها (وهي تمخر عباب بحر الحياة الجديدة بمتغيراتها) ألا تتمترس خلف قضبان أو كثبان النخبوية؛ لأن ملامسة طموحات المجتمعات، وتفهم مخاوفهم وقلقهم على أجيالهم في المستقبل، واستشراف آرائهم بات أمرا ضروريا يحتم عليها الاضطلاع به، وبالتالي لا مكان للدفاع عن نخبوية الأندية؛ لأن الانعتاق من الانغلاق أصبح من المسلمات الحياتية، فتقدم أي أمة مرهون بقدرة مؤسساتها الثقافية على نشر الوعي، وتقزيم مغيباته، لاسيما إذا كان أبناؤها (بنين وبنات) يمرون بمتغيرات عصرية أوجدتها ظروف الانفجار المعرفي المذهل، والانفتاح الفضائي التي لا تنسجم مع النخبوية أو التقوقع أو التحرك في المساحات الضيقة، والمربعات الفئوية داخل الدوائر المغلقة. وإذا عاشت الأندية في ماضيها مرحلة من الركود (حتى بدت بصمة الشيخوخة على مناشطها) فإنها في حاضرها تتنازعها مطالبة فئة بحقوق الانفتاح على المجتمع من جهة، والتهديد بالعقوق والمقاطعة من فئة أخرى لديها استفهامات وقلق؛ لأنها ترى في انفتاحها انحرافا عن المسير الذي اعتادته، وانزياحا عن المكان الذي ظلت تغشاه سنين عديدة، وتغيرا في مفردات الأدب والثقافة التي عهدتها، وهذا التجاذب جعل الأندية تترنح؛ لأنها لا تقوى على التخلي عن رسالتها البنائية المنسجمة مع خصوصية المجتمع، والمستجيبة للمتغيرات والمحتمة للانفتاح في آن، ولا تقوى في الوقت ذاته على التخلي عما ألفه منها النخبويون، وهذا الترنح أوجد مسوغا لعقوقها وشن الغارات، بل والغزوات عليها. وهي الآن تعيش بين سندان المطالبة بالحقوق، ومطرقة التهديد بالمقاطعة والعقوق، فإذا استجابت لحقوق طائفة صفعت بالعقوق من الأخرى، والمحزن أن مطالب الطائفتين لم تبن على تصور كلي حول إمكانات الأندية المادية والبشرية. ومن هنا ظهرت الأندية مشتتة ومرتبكة تحاول جهدها إرضاء الطائفتين دون جدوى، ولم يلح في أفقها القريب طرف ثالث يشبه ذلك القاضي النبيه الذي حكم بين أمين تنازعتا ابنا.!وألقاكم.