في بداية العام الماضي كتبت مقالاً تحت عنوان (أمنيات مواطن) استعرضت فيه أبرز تطلعات المواطنين، ومع أن أي منها لم يتحقق بالصورة التي نريد، إلا أن ذلك لا يمنع من إعادة طرح ما يتطلع له المواطنون مع إطلالة العام الجديد. من خلال المتابعة في مختلف وسائل الإعلام وقنوات التواصل الاجتماعي ولقاءات المجالس الخاصة والعامة، يلحظ المتابع أن هنالك وعياً متصاعداً لدى عموم المواطنين واهتماماً أكبر بالشأن العام ومتابعة أدق لمجريات الأمور. وهو أمر في حد ذاته جيد ويعد مؤشر وعي أكبر وبحث عن معالجات لأبرز القضايا. الموضوع الذي طُرح كثيراً في الأيام الماضية يتعلق بصدور الميزانية السنوية للمملكة، والتي نالت كثيراً من التمحيص والقراءات النقدية. فلا تزال طريقة إعداد الميزانية بعيدة عن أعين المواطنين وتوقعاتهم، ولا أحد يعرف آلية إعدادها حتى الأجهزة التشريعية المعنية بمثل هذا الموضوع كما في الدول الأخرى. فعلى الرغم من حجم الميزانية المتنامي سنوياً، إلا أن اعتماد النسبة الأكبر من مواردها على ثروات طبيعية غير إنتاجية يجعل منها عرضة لتقلبات السوق وتغيراته. كما أن أسلوب اعتماد المصروفات لا يزال لا يستند إلى نظام واضح ومعايير موحدة، مما يتسبب في إضاعة الأولويات التنموية وإعطاء مناطق وجهات النفوذ حصصاً أكبر من غيرها. إضافة إلى عديد من الإشارات حول حجم المساعدات الخارجية ومدى فاعلية المصروفات الحكومية ونجاعتها في ظل استشراء الفساد ومحاولات مكافحته. الموضوع الآخر هو ما يتعلق بالإصلاح الإداري والسياسي، وذلك مع قرب إعادة تشكيل مجلس الشورى ومجلس الوزراء وأمراء ومجالس المناطق، فهنالك حديث شعبي متواصل حول مطلب انتخاب أعضاء مجلس الشورى ومجالس المناطق بدلاً من تعيينهم. كما أن هنالك عديداً من الكتابات حول ضرورة إعادة صياغة دستور وطني وتطوير النظام الأساسي للحكم الذي صدر قبل أكثر من عشرين سنة، وكذلك بقية التشريعات التي أصبحت ضرورية لتطوير منظومة أجهزة الدولة ومؤسساتها. الهم الإصلاحي مدار حديث كثيرين على مختلف المستويات، ولعل من أسبابه الحاجة إلى معالجات جادة لمشكلات بدت مزمنة، تتفاقم بصورة مضطردة وهي متداخلة بحيث إن علاجها ينبغي أن يكون جذرياً وشاملاً. من الموضوعات المثارة اجتماعيا أيضاً وبصورة ملحوظة قضية حرية التعبير عن الرأي بمختلف أبعادها، حيث إن هنالك شكوى من التضييق على مختلف أشكال التعبير بصورة أصبحت تشكل خطراً حقيقياً على أشخاص عدة من كتاب ومثقفين ومفكرين. في ظل أجواء التغييرات الإقليمية القائمة، ومع اتساع هامش الحرية الناتج عن انتشار وسائل التقنية الحديثة فإن إجراءات التشديد لا تقود إلا إلى التمرد والانفلات. الحوار الفعال والاحتكام إلى القانون هو ما يضبط أجواء التعبير وما يضمن حريته. هذا ما ألمسه من قضايا وطنية مطروحة بين الناس، كلي أمل في أن نحقق فيها تطوراً ملموساً خلال هذا العام، لنكون قد أنجزنا لوطننا تقدماً ملحوظاً.