بدا لافتاً أن الرأي السعودي في مواقع التواصل الاجتماعي وفي الفضائيات وفي تعليقات الصحف، يدافع عن سمات رأي متشددة ومتجبرة، مرة بحجة أن مجتمعه السعودي له خصوصيته، وأخرى بحجة أن هذه الممارسات لها سند من القرآن والسنة، ومن يعترض عليها يعترض على القرآن والسنة، وبالتالي فهي لا تلزمه فقط بل تلزم الجميع، والعجيب أن هذا «الرأي السعودي» يصرّ على خصوصيته في وقت يسبح فيه رأيه في وسائط انفتاح فضائي وإعلامي، وكلما زاد شعوره بالتقارب معها، وسيطرتها عليه، أصر على تمايزه واختلافه وخصوصيته، ومع أن هذا الوسط تكثر فيه المشتركات الإنسانية والثقافية وتقل التمايزات، بل ويرى هذا الرأي السعودي المنحاز لرأيه أن له من شدة الخصوصية ما يميزه عن مجتمعات الخليج على رغم تشابهه معها في التركيبة القبلية والدينية والسياسية والجغرافية، ولو تركته يتبسط أكثر ويتخفف من التحفظات لقال لك: إنه يشعر بتقاربه مع مجتمع أفغانستان في عهد الملا محمد عمر، أكثر مما يشعر بتقاربه مع المجتمع المصري. هذا الرأي الذي قصدته يدافع عن كل ما يشعر أنه رائج وشائع في ثقافته، ويحرجه كثيراً أن يجد أحداً قد كشف عيبه الثقافي، ولهذا يلجأ لحيلة رفض النقد، متهماً من يمارسه بأنه مريض بجلد الذات، حتى ولو كان العيب المنقود في كل الثقافات وليس في ثقافته هو. وعلى أبسط مثال يرتبك الرأي السعودي أمام ظاهرة العنف ضدّ النساء، وعلى رغم أن ثقافتنا متسلحة بقول ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يضربهن أخياركم»، وما روته عائشة رضي الله عنها من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «لم يضرب خادماً ولا امرأة»، إلا أن صاحب هذا الرأي يدافع عن الفعل الوضيع وليس عن الخلق الرفيع، وكأنه يريد له أن يضمن استمراره، وعلى رغم أن العادات الثقافية السلبية وعلى رأسها العصبية، لا يوجد ما يسندها من القرآن والسنة إلا أن عناد الرأي المتشدد وعصبيته يجعلانه يصرح طوال الوقت بأن ما يصدر عنه تطبيق للقرآن والسنة، حتى ولو خالف قوله فعله، وهذه المقولات الجاهزة تمنحه راحة نفسية حتى وهو يمارس عكسها، فهو مسلم وفخور بأنه مسلم، حتى وهو يكذب ويزور ويغش ويستغل المنصب، ويبدد المال العام، وقد شاعت بين السعوديين نكتة خاصة تسخر من تناقضاتهم، وتوفر لهم مادة تفحصهم وتضحكهم في آن، إذ وصلتني طرفة عن الطالب السعودي الذي دخل الامتحان وقرأ آية من القرآن الكريم، ثم دعا بدعاء مأثور، ثم أخرج «البرشامة» وهي ورقة غش صغيرة! كما وصلني يوم أمس أن سعودياً سمع موظف الاستقبال يقول له: «بماذا أستطيع أن أخدمك «سير»؟ فرد عليه: لا تناديني «سير» فهذا لقب الكفار، قل لي يا شيخ أو يا حجي فأنا مسلم! فقال له موظف الاستقبال: حسناً «حجي» بماذا أخدمك؟ فقال له: أين البار؟