تجمع العديد من الدراسات التي تعنى بالشأن المستقبلي للعالم العربي الإسلامي على أن التغيير الثقافي هو أحد أسس تغيير الواقع، وهو ما يعني بشكل واضح أن هذا التغيير المنشود لا يمكن أن يكون شرقيًا ولا غربيًا، ولكنه تغيير ينطلق من خصوصيات الأمة ومقوماتها المحلية.ويدفعنا القول بخصوصية الأمة ومقوماتها إلى تسطير بعض المبادئ التي من المفترض أن ينطلق منها كل عمل ثقافي يراهن على تحقيق بعث حضاري للأمة الإسلامية. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: 1- التركيز على المبادئ والخصوصيات الأساسية للأمة الإسلامية. 2- الحرص على تحقيق الإقناع لدى الناشئة بمقومات الأمة وخصوصياتها. 3- بناء وخلق الدافع الذاتي الذي يحول الاقتناع بالأفكار إلى أعمال ميدانية ملموسة. 4- العلم بالوسائل الموصلة إلى الغايات والفصل فيها بين ما هو شرعي جائر وما هو غير شرعي. ومن شأن هذه الوسائط أن تعمل على: 1- تقوية النسيج الاجتماعي ارتكازًا على البعد الديني وعلى أخوة المسلمين ووحدة عقيدتهم. 2- نشر ثقافة التعمير ومحاصرة ثقافة اللامسئولية والميوعة المنتشرة والمزدادة تناميا يوما بعد يوم، حتى نخرج عن أَسْر الفكر والسلوك المادي. 3- ترويح النفس عن كدها وعملها (ثقافة ترويحية) . 4- العمل على إعلان المواقف من القضايا الطارئة أو القديمة. 5- شحذ الفعالية الروحية لدى المرء. وفي أفق تحقيق ذلك تمر الثقافة بثلاث مراحل هي: **أ: وفي هذه المرحلة يمكن أن نتحدث عن بداية بروز بعض المواقف من القضايا الفكرية والاجتماعية وربما السياسية، ولو على استحياء. وهي مواقف تستمد ما توصلت إليه من حسن قراءة القرآن والسنة وتراث السلف الصالح، ولا يضر أن يكون من بين هذه المواقف ما هو على خلاف تام مع المواقف السائدة والغير مستندة من هذه الأصول الإسلامية.وللتذكير فإن هذه المواقف غالبا ما يُنظر إليها على أنها مواقف متطرفة ورجعية ولا تساير العصر، كما يُنظر إلى أصحابها على أنهم رجعيون ماضويون إلى غير ذلك من الصفات التي يوصف بها كل ذي ثقافة إسلامية تسعى لأن تجد لنفسها أرضية للانتشار والتمكن. **ب: مرحلة التحدي:ويكون هدفها الأساس هو تقريب الدين إلى نفوس أبناء الأمة وتحبيبه إليهم.. ويمكن أن يسلك في ذلك الدعاة المثقفون طرقا متعددة، منها: إبراز مصادر ثقافة الإسلام من الكتاب والسنة أساسا، وإبراز التصورات الإسلامية الحقيقية الكفيلة بحسن تنظيم وتسيير الحياة العامة وضبط العلاقات بين الأمم والشعوب، وإبراز قدرة الإسلام على الفصل في كل النزاعات والخلافات مهما صغر حجمها، بل إبراز قدرة الإسلام على الإجابة عن كل الإشكالات التي تعترض الأمة في حياتها اليومية. ولا ينفصل عما سبق العملُ على إبراز حقائق التاريخ الإسلامي كما هي دون تحريف ولا تغيير، والرد على الشبهات والأباطيل التي ألحقها به المغرضون عبر مراحله وحقبه. ومن شأن كل هذا أن يجعل الثقافة الإسلامية، لكونها تستند إلى قاعدة صلبة تنطلق منها وإليها وهي دين الإسلام، قادرة على أن تتحدى كل الطروحات الفكرية والثقافية السائدة البعيدة عن النهل من الإسلام وينابيعه.وتقتضي عملية تحدي الرأي الآخر، في إطار سنة التدافع في هذه الحياة الدنيا، التخلق بخلق الإسلام في الحوار والجدال، مصداقا لقوله تعالى: «وجادلهم بالتي هي أحسن» وتأسيا بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حاور خصومه وأعداء الدين. بالإضافة طبعا إلى الانطلاق من منطلق الراغبين في إصلاح الأمة والسير بها إلى بر الأمان، وما يتطلبه ذلك من رحمة بالناس وصبر على أذاهم وإيمان بحتمية الانتصار على الباطل. **ج: مرحلة الريادة: وفي هذه المرحلة بالذات يكون للموقف الثقافي والفكري المستند إلى الإسلام ومبادئه وزن واعتبار في المنظومة الفكرية والثقافية الموجودة بالبلاد العربية، يضاف إلى ذلك المعرفة الجيدة بالواقع الذي سيحتضن هذه الثقافة.إن الثقافة التي يمكنها ذلك من وجهة نظرنا هي ثقافة البناء، هي الثقافة التي تجعل الإنسان هدفها، والكون كله في خدمته، هي الثقافة التي تسعى إلى إعمار الكون لا إلى تخريبه.