قناة العربية التي ستحتفل قريباً بعيد ميلادها العاشر دخلت معترك الإعلام العربي وبيدها راية بيضاء، لا تحمل راية جماعة أو حزب، ولا ترفع شعاراً يحقق مصلحة طرف على حساب آخر، لاقت انتقادات واسعة، ووصفها من تعمدوا مخاصمتها بلا سبب بالمنحازة، وأوصاف أخرى كثيرة مستمدة من الخيال المؤامراتي الخصب. سبب الهجوم على العربية أنها لا تخاطب العاطفة، ولأنها تخاطب العقل مباشرة، بلا مقدمات ولا مؤثرات، ولا تفخم ولا تضخم، ولا تسفه ولا تسطح، كسرت رتابة الأخبار، وأحدثت نقلة في عالم صناعة الإعلام، بمصداقيتها التي لا يشكك فيها أحد، وخصوصاً أولئك الذين يتحدثون بتنظيرهم الممجوج عن الحياد وهم يرفعون شعار “إن لم تكن معي فأنت ضدي". نعم العربية ليست معكم، لأنها مع الحدث والخبر والمعلومة، ولا يؤثر على سير عملها أحد، فنظرة العربية للإعلام تختلف عن نظرة المأزومين الذين يعتقدون بأن قنوات الإعلام غرف عمليات استخبارية، وهذه النظرة ليست مستغربة من الأنظمة الشمولية، ولا من الجماعات المتطرفة الحركية، التي تعتبر كل من يكشف عوراتها ويفتح نافذة على أعمالها أو يختلف مع توجهاتها، عميل! ولم تسلم “العربية" من نقد الفاشلين الذين يحاولون الارتقاء على أكتافها، ويختلقون الأكاذيب من أجل ذلك، ومنهم من أشغل نفسه في “تفكيك خطابها" وكانت مفكاته بالية، تظهر الحقد والشخصنة بعيداً عن النقد البناء الهادف، وهؤلاء من أكثر الأطراف شراسة في حربهم على من يظهر حقيقة من يتعاطفون معه، أو ينتمون لأيديولوجيته، ومهما ادعى هؤلاء معرفتهم بالمهنية فإنهم أكثر الناس جهلاً فيها، فالمهنية بنظرهم التطبيل للأيديولوجيا التي يعتنقونها. في مصر مثلاً حققت قناة العربية نسب مشاهدة مرتفعة، وتغلبت على منافسيها، بالمعلومة المجردة من التسييس، مع بدء ثورة 25 يناير، وكانت قريبة من كل الأطراف، ومن يتابع العربية يعرف أنها لم تفضل أحداً على أحد، ولم تقسُ على تيار على حساب تيار آخر، وهذا بالتأكيد لا يقنع من ينتمون لتيارات الإسلام السياسي، الذين يفضلون من يقف في صفهم ويلغي الآخرين مهما كان حجمهم.. وهؤلاء جماعة “إن لم تكن معي فأنت ضدي"، ولم تتوقف هجماتهم على العربية، متجاهلين حقائق تدحض الافتراءات والأكاذيب التي يطلقها بعضهم. ففي شهر الاستفتاء على الدستور المصري الجديد ظهر على شاشة قناة العربية أكثر من 60 ضيفاً على نشرات الأخبار من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي، وأقل شخصية من هذه الشخصيات ظهر أكثر من ثلاث مرات على الهواء، وهؤلاء هم من استجاب لدعوة الظهور على الشاشة، مقابل الرافضين للظهور لأسباب مختلفة، أما المعارضون للدستور فلم يظهر منهم أكثر من 30 شخصاً، ومع ذلك وصفها المتحمسون بالمتحيزة! مما يعني لو قامت قناة العربية بتحويل نشاطها لتصبح قناة دعوية إسلامية لن ترضيهم، وسيختلقون الأسباب لصهينتها وعمالتها وانحيازها! السؤال المهم: ماذا لو كانت العربية أو غيرها من وسائل الإعلام المعتدلة مملوكة لجماعة من جماعات الإسلام السياسي، هل ستكون موضوعية ومحايدة ومتوازنة وتسمح لجميع الآراء بالظهور في إطار المهنية؟ المتابع لنهج العربية يعلم أنها ستبقى متميزة بمصداقيتها وانفتاحها على الجميع، وتتعلم من أخطائها دائماً، ترفع شعارها “أن تعرف أكثر"، وسيبقى من جعلوا المصداقية خصمهم منشغلين في اختلاق الأكاذيب، رافعين شعارهم “أن تكذب أكثر".. والمشاهد العربي هو الحكم بوعيه وعقله الذي ينحاز دائماً إلى من يحترمه.