يقول الفيلسوف اليوناني سقراط: إن الحياة لا تستحق الاعتبار ما لم نقومها بالحوار والمناقشة. فاللقاء المستمر بين الرأي والرأي الآخر هو نواة التقدم الفكري ومن ثم التقدم الإنساني على جميع المستويات والأصعدة، شرط أن يكون هذا اللقاء حرا غير مقيد بالخوف من سوء الفهم، ومن ثم سوء العاقبة. فسوء الفهم أثناء «الاختلاف» يؤدي إلى «الخلاف» الذي قال عنه الدكتور غازي القصيبي في رواية «دنسكو»: «وقد ثبت إحصائيا أن الخلاف لا يفسد للود قضية إلا في 91% من الحالات»، وهي حقيقة واقعية تؤكد فوات أوان ذاك الزمن الذي كان فيه «اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية»، هذا إن وجد هذا الزمن أصلا على خارطة التاريخ الواقعي! حرية الرأي هي الخطوة الأولى من خطوات ارتقاء أي مجتمع، لكنها لا تستطيع أن تنمو في بيئة تجهل أو تتجاهل مقولة الإمام الشافعي رحمه الله: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب»، متصرفة وفق مبدأ: «رأيي كله صواب لا يحتمل أي خطأ، ورأي غيري كله خطأ بعيد عن احتمالات الصواب!»، وما دام الأمر «مجرد رأي» أو لا يعدو كونه «محض وجهة نظر» فليس بالضرورة أن تكون على حق طوال الوقت، مثلما ليس بالضرورة أن يكون الآخر على حق طوال الوقت، فالقضية في النهاية قضية نسبية إلى حد كبير، وقد أجاد الكاتب السعودي محمد الرطيان حين أشار إلى هذا المضمون بقوله: «إذا قال لك أحدهم (أنت فاهم غلط) فاعلم أنه -في الغالب- يقصد: أنت تفهم الأمر بطريقة مختلفة عنه، وليست بالضرورة (غلط) كما يظن!».