هناك من يرى أن رأيه هو فقط الصواب وهو الذي يجب أن يتبع وأن من يخالفه الرأي فهو فاسد كاذب مخادع .. يحتكر لنفسه إبداء الرأي ويحرم الآخرين من أن يعبروا عن آرائهم أو يعلنوها .. وتحت راية الحرية من الممكن أن يضرب خصومة بأسوأ الأوصاف والاتهامات وأبغضها .. ورحم الله الإمام الشافعي الذي رسخ مبدأً أصيلا في اختلاف الآراء حين قال : رأيي صواب يحتمل الخطأ .. ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب. إننا وللأسف الشديد نفتقد ثقافة الحوار والاختلاف .. وعندما نخوض حوارا مع مخالفينا ، نخوضه من أجل الجدل والجدال فحسب لا من أجل أن نصل الى قناعات أو شرح قناعاتنا .. وغالبا في حوارات المختلفين لا يوجد صاحب رأي يقتنع برأي الآخرين ، أو يكون مستعدا للتنازل عن قناعاته .. وغالبا ما كان الحوار يفسد للود كل قضية !!. في حواراتنا الاختلافية نتحاور حوار الطرشان .. كلّ منا يغلق أذنيه بشدة كي لا يتسرب لها الرأي الآخر .. فتميل له أو تقتنع به .. فتجد أن خير وسيلة لطرد الآراء من العقل ونفضها هو الصراخ الذي يتبعه أغلب المتحاورين في حواراتهم .. فتجد أن حججهم تضعف كلما علا صراخهم .. هذه قاعدة للأسف رسختها بعض البرامج التلفزيونية الحوارية التي يجد مقدموها لذة ومتعة في الاختلاف كلما اتسع ، وفي الصراخ كلما علا، وفي الخصومة كلما زادت. عندما تتعدد الآراء تتسع المدارك .. وعندما نغلق عقولنا على رأي واحد .. ندع مجالا كبيرا للفراغ يملؤه الشيطان بما شاء .. وعندما نشرع نوافذ العقل تنشط الخلايا فتهب رياح التجديد .. وتتسع مسام التفكير دون تعكير .. ويحدث التغيير الذي نتمناه. ولا يمكن لعاقل أن يظل منعزلاً عن الآخرين وأفكارهم وآرائهم .. ولا عقل لدى من يرفض الغير والحوار معهم .. والانفتاح على عقولهم وأفكارهم .. يأخذ منها ما يفيد ويتجنب ما يضر .. لكن المهم أن لا نبقى منغلقين منعزلين بعيدين عن الواقع وما فيه. الحوار هو خير طريق للوصول الى نقطة التقاء ، وإزالة أية بواطن لسوء الفهم .. وحالة جيدة لتقريب وجهات النظر .. لكن الحوار على الطريقة العربية للأسف أصبح يقود لمزيد من الفرقة والبعد. إن التمسك بالرأي الواحد دون الاستماع للرأي الآخر أو الآراء الأخرى مهما بلغت مخالفتها لنا .. هو أمر غير مقبول .. والأهم أيضا أن يكون لدينا الاستعداد التام للاصغاء والاستماع وتعديل قناعاتنا وتغيير وجهات نظرنا اذا ما أقنعنا الآخرون بصواب آرائهم .. وهذا ما لا يحدث أبدا .. لأن الغالبية لديهم قناعة راسخة بأن الاستماع الى الآراء الأخرى ما هو إلا تضييع للوقت. ودمتم سالمين..