المنطقة العربية تتميز بتنوع عرقي ولغوي وديني ومذهبي متعدد، قد يفوق ما هو موجود في مناطق أخرى من العالم، ومع ذلك؛ فإن التعاطي مع قضايا الأقليات في منطقتنا لايزال يدار بصورة غير متوازنة، وبحالة من التوجس والقلق. في المؤتمر الأخير الذي عقدته «الأممالمتحدة» بمناسبة مرور عشرين عاماً على صدور الإعلان عن حقوق الأشخاص المنتمين الى أقليات قومية أو إثنية أو دينية أو لغوية، الذي أقيم في جينيف يومي 27 – 28 نوفمبر الماضي ، تحدثت الوفود الرسمية جنباً إلى جنب مع ممثلي الأقليات من مختلف دول العالم. تشكل الأقليات حوالي %30 من سكان العالم أجمع، ويعتقد بأن %70 من النزاعات في العالم سببها أزمات في العلاقة مع الأقليات، من هنا جاء الاهتمام الكبير من «الأممالمتحدة» لتناول هذا الموضوع بجدية كبيرة. يطالب الإعلان المشار إليه أعلاه كل دولة تعيش فيها أقلية أن تعطي اهتماماً بالغاً بحقوق الأقليات الثقافية والسياسية والاجتماعية، وتعمل على المحافظة على ثقافتها وهويتها والاعتراف بها واحترامها، وكذلك إدماج هذه الأقليات في النظام السياسي والاجتماعي. بل إنه يطالب الدول بمعالجة التمييز الذي قد يقع على الأفراد المنتمين لأقليات من خلال إجراءات قانونية ودستورية واضحة. انتهى العالم إلى معالجة هذه التحديات باعتبارها منفذاً في اللحمة الوطنية وخرقاً لمبادئ حقوق الإنسان، وانتهاكاً لمصالح وحقوق جماعات معينة من المجتمع، وعملت معظم الدول على إعادة مراجعة سياستها تجاه الأقليات حماية لأوطانها، وتنمية لثروة التنوع التي تنتج عنها. لا نجد في منطقتنا العربية تعاطياً سليماً وجاداً من قِبَل الحكومات مع شؤون الأقليات بشكل عام، وهذا ما يعزز حالة القلق من بروز الهويات الفرعية بدلاً من الهوية الوطنية الجامعة. بل إن كثيراً من الصراعات والنزاعات المسلحة في المنطقة العربية كانت نتيجة لتهميش أقليات بعينها أو تغييب دورها أو انتقاص حقوقها. صحيح أن على الأفراد -ضمن هذه الجماعات- مسؤولية تعزيز الوحدة الوطنية، لكن على الأنظمة السياسية مسؤولية أكبر في اتخاذ السياسات والتدابير التي تراعي أوضاع وشؤون هذه الأقليات وتحمي مصالحها. أول هذه الإجراءات ينبغي أن يكون الاعتراف والإقرار بهذه الوجودات المتنوعة والمختلفة لغةً أو قومية أو ديناً، وتثبيت ذلك دستورياً، ومن ثم وضع السياسات الواضحة التي تحكم العلاقة بين المكونات الوطنية المختلفة بعيداً عن أي تمييز أو تمايز. التجارب السياسية في المنطقة العربية بمختلف أشكالها لم تثبت حتى الآن أنها قادرة أو عازمة على معالجة هذه القضايا التي يمكن أن تكون سبباً لتفجر الأوضاع في أي دولة، ولا نجد نظاماً أو حزباً سياسياً يمتلك مشروعاً متكاملاً وواضحاً للتعامل مع قضايا الأقليات وإدماجها وضمان حقوقها.