بعد النجاح الباهر لهيئات مكافحة الفساد في إنهاء حالة الفساد في بعض دولنا العربية - اللهم لا حسد - ننتظر أن يكون ترتيبها في تقرير مؤشر الفساد الصادر غداً الأربعاء عن منظمة الشفافية الدولية في مراكز متقدمة مقارنة لتقرير العام الماضي عندما وضعتها في مراكز متأخرة وربما تصبح هذه الهيئات والبلاد نماذج يحتذى بها عالمياً! وكنت قد وعدت أحد القراء بالكتابة عن الفساد، وطالما لم أجده هنا أجد نفسي مضطراً للحديث عن فساد بلاد بعيدة جداً يغري فسادهم بالكتابة عنها وتتمحور فلسفتهم في التشكيك بكل القوانين التي تصون حقوق الناس كي يصبح المال العام بين أيديهم، وينقسم الفاسدون فيها إلى ثلاث رتب أو نخب متفاوتة الأهمية والسلطة: الأولى مفسد لا يكتفي بفساده وإنما ينشره لغيره وربما لا يعرف أنه فاسد بسبب تعوّده منذ ولادته على امتلاك ما حوله و ما حول حوله ولم تمرّ عليه كلمة «المساءلة» بعد ويعتقد أن الناس خلقوا لخدمته ومن قلة الذوق أن يسأله أحد من أين لك هذا، ضاربًا بثقة متناهية لأهم خصائص الفساد التي تدعو للتكتم والسرية بجعله علنياً وساحة منافسة بينه وبين الآخرين! هذا «النخب الأول» من المفسدين ميئوس الكلام معه وليس لنا سوى الشكوى لله ثم لولي أمره! ما يحاول الناس في أرض الفساد علاجه - إن استطاعوا - هو «النخب الثالث» من الفاسدين وهو فاسد رضيع لم يفطم بعد من حليب الفساد، يريد أن يجرّب حظه بعدما أغرته مظاهر الترف والحياة الباذخة ويلاقي تشجيعًا كبيراً من «النخب الثاني» بشرط ألاّ يكبر عن حجمه وأن يقتنع بما يحصل عليه من بقايا فتاته النخب الثاني - هناك في أرض الفساد - مفسد مثل سابقه لكن بأقل سلطة وصلاحية، وصل هذا المفسد لمرحلة يصعب عليه أن يتخلص من فساده حتى لو أراد، أصبح نمط حياته مرتكزاً على كل ما هو فاسد وحتى المقربين منه أصابهم هذا الداء، ولن يختفي فساده ومن معه إلا في حالة استغناء مفسد من «النخب الأول» عنه إما بسبب طمعه في حصة أكبر أو عندما يصبح دمه ثقيلاً وهو الأرجح! ما يحاول الناس في أرض الفساد علاجه - إن استطاعوا - هو «النخب الثالث» من الفاسدين وهو فاسد رضيع لم يفطم بعد من حليب الفساد، يريد أن يجرّب حظه بعدما أغرته مظاهر الترف والحياة الباذخة ويلاقي تشجيعًا كبيراً من «النخب الثاني» بشرط ألاّ يكبر عن حجمه وأن يقتنع بما يحصل عليه من بقايا فتاته، فلسفة المفسدين هنا تشجّع على دخول فاسدين جدد لتنزوي أنظار الفضوليين عنهم! مشاكل تلك البلاد تسبب حالة متنامية من عدم الرضا والتذمر وتعيق بناء الدولة المدنية المرجوة، بعض ناسهم ينسب هذه المشاكل الى النعرات القبلية والتفرقة العنصرية، وآخرون على البطالة وعدد ليس بالقليل على البعد عن الدين الصحيح، لكن الجميع متفق وعلى اختلاف مشاربهم في أنّ تنامي قوة المفسدين السبب الأول والرئيس! لا شك في أن أفضل الحلول لمحاربة الفساد هناك يبدأ من «النُخَب الأولى» وإن تعذر ذلك وبدأت المعركة مع النخبين الثاني والثالث فهذه مسكّنات ينتهي مفعولها بانتهاء تاريخ صلاحيتها والخوف من أن يصبح فسادهم مثل الهواء، فإما يتنفسونه وإلا يموتون خنقًا!