كان واضحا استعجال الرئيس السوري بشار الأسد للرد على ديفيد كاميرون، رئيس وزراء بريطانيا، الذي صرح لأول مرة بوضوح شديد أنه مع خروج آمن للأسد من سوريا إن كان ذلك يحقن الدماء وينقل السلطة. لن يكون مصير الأسد قراره لوحده بل الدائرة تضيق عليه ولن تكون خياراته سوى أن يموت في قصره أو يفر إلى الخارج. تصريح كاميرون أقلق الأسد وأثار الكثير من التكهنات إن كانت هناك مؤامرة خلف الأبواب المغلقة بحل سياسي ثمنه نفيه إلى الخارج بلا محاكمة، هكذا فهمنا معنى كلمة خروج آمن. وتوافق وجود كاميرون الذي تنقل بين عواصم دول المنطقة، مع وجود وزير الخارجية الروسي لافروف الذي التقى لأول مرة رياض حجاب، الشخصية السورية البارزة في المعارضة والمقيم في منفاه في العاصمة الأردنية. حجاب كان رئيس وزراء حكومة الأسد ثم انشق بعد بضعة أسابيع من تكليفه. ولا شك أن الأسد يدري أن الروس يتحدثون خلف ظهره عن حل يتضمن خروجه من الحكم، بعد فشلهم في طرح فكرة حكومة مصالحة فيها الأسد والمعارضة. ويؤكد أحدهم أن الروس يتحدثون عن تفاصيل خروج، أو إخراج، الأسد، لكن الطرح الروسي لا يزال غير عملي من جوانب كثيرة من حيث إدارة سوريا بعد إخراج جزار دمشق. وأنا أعتقد أن الأسد بلغه شيء من هذا الهمس، ويدري أن كاميرون لم يطلق تصريحه اعتباطا خاصة أنه أشار إلى أنه لا يتمنى أن ينجو الرئيس السوري من المحاسبة على جرائمه، بما يشير إلى أنه جزء من نقاش وشرط مطروح لقبول حل إخراج الأسد إلى المنفى. الروس يطرحون مع إبعاد الأسد كذلك دويلات في غرب سوريا، والإسرائيليون يؤيدونهم في هذا الخيار. والمثير ما قاله الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس بعد لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. حيث صرح بعد اللقاء بأنه ضد أي تدخل خارجي في سوريا، أي ضد التدخل الغربي المقترح، وأنه يفضل الحل «العربي» الذي سبق ان طرحته الجامعة العربية بأن تقوم قوات عربية بالتدخل في سوريا. طبعا، بيريس يعرف أن قوات عربية ستكون ضعيفة، وستتسبب في توسيع دائرة النزاع بدلا من إسقاط النظام، لتكون حروبا عربية عربية، ومن ثم إشغال المنطقة في معارك تلهيهم عشرين سنة أخرى عن القضية الفلسطينية. أما التدخل الأجنبي، وخاصة عندما يكون تحت علم الأممالمتحدة، فإنه قادر على حسم المعركة الكبرى سريعا، وإسقاط الأسد وضمان شرعية للنظام السوري البديل، ولاحقا مواجهة إشكالات الفراغ الناجم مثل استمرار ميليشيات الأسد في المعارك الصغيرة، وكذلك مواجهة تنظيمات «القاعدة» التي وإن كانت تشارك في الحرب ضد قوات النظام تبقى هدفا للملاحقة سورياً ودولياً، كما يحدث في ليبيا اليوم. نحن الآن في مرحلة جديدة من الصراع؛ قريبون من خروج الأسد لكن الأخطار المرافقة والملغومة ليست بالهينة. فخروج الأسد بلا محاكمة مشكلة ستواجه الجميع، وإخراجه مع شق سوريا إلى دويلات أمر مرفوض تماما.