كتبت قبل عامين مقالات عن شركة أرامكو السعودية، تدور حول ما يُقال إنها لم تعد كما كانت من حيث الانضباط والمهنية والبُعد عن الواسطة والمحسوبية كما عادت لبعض العادات القديمة مثل الإعجاب بما هو أجنبي وإعطاء العقود للشركات الأجنبية وغضب من مقالاتي مَن غضب في إدارة الشركة وعلاقاتها العامة ورضي عنها الكثيرون من المواطنين الغيورين على عملاق النفط المؤتمن على أهم مصدر من مصادر دخل بلادهم.. ومنهم بعض موظفي الشركة الحاليين والسابقين. واليوم تأتي فضيحة الرشوة القادم دخانها عبر المحيط.. والتي أقول ربما (وعسى أن أكون مخطئاً) أنه لو لم تتم إثارتها في المحاكم والإعلام الأمريكي ما علمنا عنها.. وعلى أي حال حسناً فعلت إدارة الشركة بالمسارعة في الإعلان عبر بيان رسمي عن بدء التحقيق.. والأجمل أن يعلن أولاً بأول عن نتائج التحقيق، الذي كما اقترح الزميل خالد السليمان في عموده العكاظي يوم الإثنين الماضي يجب أن يكون مستقلاً بمعنى (أن تمد جهات أخرى كهيئة مكافحة الفساد، المباحث، وديوان المراقبة العامة يد العون في تحقيقاتها حتى نصل إلى الحقيقة) وأضيف على ما ذكره الزميل العزيز أنه ما دام (الصندوق الأسود) قد فُتح فلماذا لا تستمر "أرامكو" في طريق الشفافية، حيث تنشر قوائمها المالية سنوياً (ولو بشكل مختصر)، كما تسمح لمراقبي ديوان المراقبة العامة بتساؤلاتهم الروتينية التي تأتي بعد الصرف وبعد توقيع العقود لكي يشعر الموظف المؤتمن على العقود والمناقصات أنه ربما يسأل في يوم من الأيام.. فتكون الوقاية خيراً من العلاج، بل أفضل من التدخل الجراحي الذي سيفتح ملفات كثيرة، ليس على المستوى الداخلي وإنما في الخارج حيث المحاكم والإعلام الذي لا يخفي شيئاً! ومن المهم أيضاً أن نتطرق إلى إعادة هيكلة "أرامكو" فهي كيان كبير ومتشعب الاختصاصات والمهام، وقد أوكلت إليها أخيراً مقاولات كبيرة قد تشغلها عن مهامها الرئيسة التي تتطلب تفرغاً لأهميتها وحساسيتها، ولذا فقد آن الأوان لإعادة هيكلة هذا العملاق الكبير وتقسيمها إلى شركات عدة تغطي جميع أقسام صناعة النفط.. وهنا تسهل السيطرة على عقودها ومناقصاتها التي أثيرت حولها القضايا وندعو الله أن يقتصر الأمر على ما تم الإعلان عنه. وأخيراً: متى نرى السعودي يعود ليعتلي سلم مصفاة النفط أو يعمل على حفار في وسط الصحراء.. كما كانت الصورة في السابق.. قبل أن تتعاقد الشركة مع متعهدين يوردون العمالة الأجنبية التي لا تدخل ضمن نسب السعودة.. ولا تعطي الفرصة للسعودي لأن ينخرط فعلياً في صناعة النفط في أكبر بلد ينتج النفط عالمياً.. ولا أعتقد أن أبناء الأحساء والقطيف وأبناء القصيم والشمال والجنوب الذين كان آباؤهم يعملون في الحقول والآبار والمصافي سيرفضون العودة إلى هذا العمل إذا وفر لهم التدريب والمرتبات والمزايا المجدية مقابل هذا العمل الشاق.