تغيير معتقدات الآخرين ورؤاهم وأفكارهم لن يتم بالقوة، ومن يؤمن بالكراهية والعنف لن يفيد التحاور معه ولن يقبل هو بحوار الآخر المختلف، والاختلاف مظهر رئيس من مظاهر الحياة، وينتج عن الاختلاف تنوُّع يثري ويضيف الكثير للإنسانية فلا داعي للتشنُّج والتعصُّب، ولا جدوى من بث الكراهية فهذا لا يغيّر الواقع بل يسبب التأزيم والتناحر. دعوة شجاعة أطلقها الملك عبد الله، عندما اقترح تأسيس مركز للحوار بين أتباع المذاهب الإسلامية، وأصبح تأسيس المركز قراراً اتخذ على مستوى القمة الإسلامية، وسيكون مقره العاصمة السعودية الرياض، ويضاف هذا إلى سجل خادم الحرمين الشريفين الذي دعا إلى الحوار الوطني داخل المملكة ومن ثم حوار الأديان عالمياً، والآن حوار المذاهب إسلامياً، وهذا يعكس بلا شك وعياً متطوراً، ورؤية فيها الكثير من التسامح، وقبول الاختلاف. لكن ماذا ينتظر المسلمون من هذا المركز؟ ينتظرون بالتأكيد اعتراف كل مذهب بالمذهب الآخر المختلف، وهذا يحتاج إلى وعي مجتمعي يتطلّب قرارات سياسية داخلية في كل دولة من الدول الإسلامية، ويأتي بعد الدخول في حوار حقيقي وليس مناظرات، وأن يكون لجلسات الحوار محاضر تُعَد من قِبل هيئة علمية رفيعة المستوى، وأن لا تؤجّل قضايا الخلاف، فالمقصد من الحوار ليس إعلامياً أو برتوكولياً، ويجب أن يحدِّد العلماء الشرعيون خططاً تنفّذ وفق برنامج زمني لتحقيق المقررات، حتى لا يكون الحوار مجرّد محاضر تطويها أدراج الساسة. وبتمثيل جميع المذاهب الإسلامية من دون استثناء، يجب إبعاد جلسات الحوار الديني عن التسييس، ويتركّز البحث على الأمور العلمية والاجتماعية، وتعزيز المشتركات، والتخلُّص من خطاب المثاليات، وترجمته إلى أفعال مثالية، والأهم الحصول على مباركة شعبية للحوار بإقناع المجتمعات الإسلامية بالأهداف والغايات، ولا مانع من الاستماع للآراء الأكثر تطرُّفاً للتعامل مع الواقع كما ينبغي، وحتى تنتهي الاعتداءات اللفظية الجارحة على الرموز والأشخاص بناءً على فهم تاريخي معيّن. ولينجح عمل مركز الحوار يجب أن لا يتبع لأيّ منظمة أو جهة سياسية، ويكون مستقلاً بذاته ويرفع مقرّراته لقادة الدول الإسلامية، أثناء انعقاد قمّتهم، ولتنجح المبادرة لا بد من عقد ورش عمل مستمرة تركز على البلدان التي تعاني من مشكلات طائفية حقيقية، ويكون الهدف الرئيس إبعاد الشحن الطائفي والاصطفاف المذهبي عن الخلافات السياسية والحقوقية داخل الدولة الواحدة، وتعزيز المواطنة، والقضاء على مرجعية الدول والرموز والجماعات، التي قد توظّف الاختلاف الطائفي سياسياً. يجب أن نعي بأنّ مركزاً بهذا الحجم، يناقش قضايا ساخنة لها أبعادها الدينية والعقدية المعقّدة، لن يحل كل المشكلات بين ليلة وضحاها، لكن علينا أن لا نيأس، ونغرس في الجيل المسلم الجديد بذور قبول الآخر وتجريم الإساءة إليه قولاً أو فعلاً، وهذا لن يتحقق من دون رغبة صادقة يعبّر عنها علماء الأمّة، وأتمنى أن تتكوّن هيئة المركز من علماء حقيقيين يهمهم لملمة جراح سببها الفرقة والتنازع. محلياً بشّرنا بالخير البيان الذي صدر عن علماء محافظة القطيف، والذي أيّد فكرة الملك عبد الله، وشدّد على أنّ أمن البلاد خطٌّ أحمر لا يقبلون المساس به، وهذا الشعور الوطني الذي يعكس أجواء إيجابية لدى المواطنين هناك، يؤكد على أننا في الطريق الصحيح، وأنه آن الأوان لتجريم الممارسات الطائفية والعنصرية، وأن لا نسمح لعصابات ضالة أن تشوّه صورة طائفة أو منطقة، هذا الوطن للجميع ولا مكان للمزايدة، فالكل تحت راية واحدة ويقود الجميع ملك حكيم.