لم تعد العوامية بؤرة يتسلط عليها من أبنائها من يعيث في الأرض فسادا فحسب، بل ما حذرنا منه كثيرا بدأ يتحول إلى واقع، فسياسة التبرير تارة والصمت تارة أخرى وتبادل الأدوار تارة ثالثة, أفرزت ممارسات خطيرة وغير مسبوقة في تاريخ البلاد، إلى أن بلغنا حالاً بتجرؤ المشاغبين الإرهابيين على إقامة نقاط تفتيش وفرز المرور بحسب الهوية، كما جرى في حادثة الضابط حامد الذيابي، التي وقعت الأسبوع الماضي، عندما أوقف وطلب منه هويته ثم لوحق وأطلقت النار عليه وأحرقت سيارته. في الوقت الذي لا تزال تتواصل عمليات استهداف رجال الأمن وإطلاق النار عليهم بالرصاص الانشطاري، طمعا في إلحاق أشد الضرر بهم، وهو ما نتج عنه مقتل الجندي حسين بواح زباني وإصابة الجندي أول سعد الشمري. لاحظوا التغيير في سياسة مشاغبي العوامية منذ بدئهم في غيهم قبل نحو عام ونصف. من مظاهرات صغيرة غير محسوسة، إلى هتافات تطالب بإسقاط النظام، مرورا بخطب تحريضية وانفصالية، وانتهاءً برمي المولوتوف على مبان حكومية وإطلاق النار، وها نحن نصل إلى مرحلة إيقاف المواطنين وتفتيشهم والتعامل معهم بحسب الهوية، فما الذي سنصل إليه بعد هذا؟ لا جدال أن سياسة ضبط النفس التي تنتهجها قوات الأمن السعودية لا تزال إيجابياتها أكثر بكثير من سلبياتها، بل وأثبتت أن الحكمة هي الطريق الأفضل في قطع الطريق على المتربصين وعلى من يفتعل الفتنة بين الدولة وبين مواطنيها، المؤلم أن القضية لم تعد محصورة في مجرد مشاغبين مجرمين يمارسون فعلهم على أنفسهم فحسب، فهناك الآلاف من أهل المنطقة وما حولها يتضررون من هذه الأفعال، لذا فإن على وزارة الداخلية مسؤولية كبرى في الحفاظ على سلامة المواطنين من أهالي القطيف والعوامية من إرهاب الإرهابيين، وعدم تركهم في غيهم يعمهون. الأسطوانة المملة والمشروخة بالتحذير من الطائفية كلما هممنا بالتطرق لأحداث القطيف، لم تعد تسمن ولا تغني من جوع، والتذرع بأن الحرص على الوحدة الوطنية يقتضي غض النظر عما يحدث من ""الانقلابيين""، اكتشف زيفه ولم يعد بضاعة تباع كما كانت. آن الأوان لتسمية الأسماء بأسمائها. فهناك وطن ينزف بفعل طعون أبنائه. وهناك مواطنون غير آمنين في قراهم. وهناك رجال أمن يتعرضون للقتل وإطلاق النار. ثم يأتي من يزيف الأمور ويزعم أن كل ما يجري هو مطالبة بالحقوق. للجميع من أبناء الوطن حقوق وواجبات متساوية، وعلى الحكومة القيام بواجبها للتأكد من صيانة تلك الحقوق دون تفرقة بين هذا أو ذاك، ولكن السؤال الأهم هنا: هل الحقوق، لو افترضنا جدلا صحة المطالبة بها، تؤخذ بإطلاق النار ورمي المولوتوف وحرق الناس على الهوية؟ لم نعد نعول على من كنا نعتبرهم عقلاء القطيف، فالحكاية انكشفت جلياً، كونوا أنتم المتشددين لنبدوا نحن الحمائم. الأخطر أننا شيئا فشيئا لم نعد نعرف من العقلاء ومن المؤيدين للأعمال الإرهابية. وإلا هل سمعتم كلمة إدانة لمقتل رجال الأمن أو رمي المولوتوف ممن تعدونهم عقلاء؟ القلة من فعلوا ذلك، أما الغالبية فهم يخطبون ويشرقون ويغربون، ولكنهم أبداً لا ينبسون ببنت شفة، أفلا يعقلون؟!