ما لم يتصف الناقد بالنبوغ، وشيء من الإلهام، فإن مسألة الإطراء عليه تظل صعبة، بل ومستحيلة، لا تخرج إلا من باب حبر مجامل، وهي لذلك لا تدخل أبداً، لا قلب ولا عقل، أما الباحث الراصد فتكفيه الأمانة صفة والمنهجية حرفة ليستأهل المديح والإطراء، وأظن أن سعد بن محارب المحارب يستحق -باحثاً راصداً ومحللاً- من المديح أكثر مما يمكن لهذه الكتابة فعله، كتابه الأخير -أظنه كذلك-: «الإعلام الجديد في السعودية: دراسة تحليلية في المحتوى الإخباري للرسائل النصية القصيرة» يؤكد ألمعية وجرأة، فضلا عن الأمانة مميزة الرصد، كتاب صغير وهي مفارقة طريفة إن قورن حجم الكتاب بعنوانه الطويل، الذي يبدو فائضاً عن الحد، ولا يتناسب -أعني العنوان- مع طبيعة الرسائل النصية القصيرة التي يبحثها!، فيما عدا ذلك لا يمكنني إلا الوقوف وتقديم تحية حارة للباحث الراصد، الذي قدر بكتاب صغير أن يجمع كمية هائلة من المعلومات التاريخية، والرصد لحركة البوح الجديدة، وما إذا كانت بما أتاحت لها وسائل الاتصال الجديدة من إمكانيات، مكملة أم بديلة لما سبق وأن أوجدته الحضارة والسياسة معاً من وسائل نقل وتحليل الأخبار، بدءاً من أول صحيفة مخطوطة أصدرها يوليوس قيصر عام 59 قبل الميلاد، تحت اسم «acta dinra» وتعني الأحداث اليومية، حتى يومنا هذا الذي أتيحت فيه الفرصة تقريباً إلى تمكين كل شخص من تكوين مطبوعته الخاصة وبثها عبر الفضاء، كتاب سعد المحارب هذا مهم ونافع للقارئ عموماً، غير أنه بالنسبة للمشتغلين في الشأن الإعلامي، وتحديداً الصحفي، أكثر نفعاً وأهمية، خاصة فيما احتواه الفصل الثاني من الكتاب من حيث مفهوم الخبر، والتطور التاريخي له، والقيم الإخبارية، وآه وألف آه على القيم الإخبارية، التي فعل الباحث المحارب حسنا حين بدأها بتعريف ينسب إلى اللورد «نورث كليف»: (الخبر هو ما يريد شخص ما في مكان ما حَجْبَهُ، وكل ما عدا ذلك مجرد إعلان)!، أظن أن الحمام الزاجل وحده من سيعاتب سعد المحارب على الغفلة عن ذكره في مؤلفه الصغير الجميل هذا!