المقارنة بين انتحار المواطن التونسي البوعزيزي ، وانتحار المواطن الإسرائيلي سليمان موشيه الذي اشعل بنفسه النار السبت الماضي، مقارنة منطقية بين حالة وحالة ، وليس بين مجتمع ومجتمع ، فالشعب الاسرائيلي ليس من الشعوب التي تعيش تحت قمع المؤسسات الأمنية أو شعب فرض عليه نظام حكم ديكتاتوري وعسكري ، بل هو مجتمع يمارس الديمقراطية وفقاً لثقافة المجتمع، وليس وفقاً لدستور مكتوب (إسرائيل دولة بدون دستور) ولكن تعمل مؤسساتها وفق مبادئ عامة تنظم علاقتها مع المجتمع. ووفقا لهذه المعطيات فإن مأساة سليمان موشيه تعد مأساة شخصية، وبعيدة كل البعد عن حالات الرثاء التي تتردد داخل إسرائيل وخارجها، الذي دفع موشيه للانتحار ضائقة مالية كبيرة، بسبب تراكم الديون الربوية عليه من مؤسسة التأمين الوطني وهذه هي الأسباب فقط التي دفعته إلى الانتحار والهروب من الواقع المؤلم الذي يعيشه. يرى بعض المتابعين للشأن الإسرائيلي، ان هذه الحادثة غيرت اتجاه الاحتجاج الشعبي، فقد كان في الصيف الماضي هو احتجاج الطبقة المتوسطة التي شعرت بانها تحمل على كاهلها عبئاً ثقيلاً، فتحول هذا الاحتجاج هذا الصيف ليصبح من نصيب مجموعة صغيرة في المجتمع الإسرائيلي ضعيفة اقتصادياً واجتماعياً، وهذا التغير يسقط عن حادثة سليمان كل احتمالات التغيير السياسي، ويرشح الحلول التي تعتمد على تقديم المساعدات المالية والاجتماعية. ظهرت في إسرائيل في الآونة الأخيرة في مجال العمل الوطني والسياسي، صفة "الناشط الاجتماعي" وهذه المهنة الجديدة كما يرى بعض المحليين الإسرائيليين ان هدفها تأجيج الاحتجاج الاجتماعي، وإخراج الناس إلى الشوارع، وإغراء المحتجين بالسلطة الشرعية المنتخبة، والصيف هو دائماً الوقت المختار بحيث يوجد لدى المحتجين وقت فراغ. النشطاء الاجتماعيون معنيون بالاحتجاج، أكثر من عنايتهم بالمحتجين لأن اختصاصهم هو تنظيم الاحتجاج، المحلل السياسي الإسرائيلي حاييم شنن يرى أن هؤلاء النشطاء فشلوا في احتجاج الصيف الماضي ويقول: "قد فشل لأنه يعيش في دولة إسرائيل ناس أذكياء جداً فهموا سريعاً البرنامج السياسي لقادة الاحتجاج، وعندما تبين انه يقف وراء الاحتجاج الشعبي في الظاهر أساتذة جامعات ذوو توجه شيوعي، ونشطاء فوضويون ومال أجنبي وإعلام متآمر وساسة صغار .." وعودة لمأساة سليمان موشيه التي تتلخص في معاناة رجل بسيط أراد أن يتمسك بالحياة بكل ما أوتي من قوة وفشل..، إلا أن هذه الحادثة الشخصية لا يوجد مايمنع أن تتحول إلى وقود يحتاج إليه الثوار لنفخ الروح في ثورتهم، ولكن لا يمكن أن تحقق النتائج الذي حققتها مأساة بوعزيزي في تونس، بل سوف يعتبر استخدام مأساة موشيه في الاحتجاجات في إسرائيل من الأعمال الهزيلة.