عبدالعزيز حمد العويشق - الوطن السعودية أصبحت حملات القذف والتشهير والتكفير والتخوين من لوازم وسائط التواصل الاجتماعي، بسبب الفجوات القانونية في تنظيم الإنترنت، لذا يجب أن تتم معالجتها من خلال تأسيس نظام قانوني دقيق ومتوازن لها ليس ثمة جدال بأن الإنترنت فتحت آفاقاً جديدة للاتصال، والتعليم، ووفرت صوتاً لمن لا صوت له، وقوة لمن لا قوة له. وهي في مجملها خير كثير، إذ أصبحت عاملاً مهماً في تحقيق المساواة بين جماعات الضغط الكبيرة الغنية المحترفة، وجماعات أنصار الفقراء والمحرومين، فضلاً عن فوائدها الاقتصادية الكثيرة. وبالمثل، أوجدت وسائط التواصل الاجتماعي فضاءً متكاملاً يلتقي فيه الأقارب والأصدقاء والغرباء لتبادل الأخبار والآراء. واستطاعت هذه الوسائط منافسة وسائط الإعلام التقليدية. واضطر الإعلام التقليدي إلى استخدام ما يوفره "تويتر" و"فيسبوك" و"جوجل" من إمكانات لنشر أخباره. وأصبح لكل صحيفة ووكالة أنباء مواقع على تلك الوسائط لنشر مادتها الإعلامية. ولكن مع كل هذه المزايا والمناقب تأتي بعض المخاطر، ولن أتحدث هنا عن السهولة التي تخترق فيها شبكات الإجرام التقليدية الإنترنت، ولا عن الحرب الضروس بينها وبين الأجهزة الأمنية التي تسعى إلى مكافحة جرائم الإنترنت. كما لن أتحدث عن "الهاكرز"، فهناك اتفاق عالمي على ملاحقتهم وسد فجوات الاختراق من أن يتسللوا من خلالها. ما أود الحديث عنه اليوم هو إساءة استخدام الإنترنت لأغراض سياسية، وهنا ليس ثمة دفاع قانوني واضح أو حماية فنية مؤثرة للأبرياء يصون سمعتهم. وهي في غالبها حرب غير متكافئة بين جماعات منظمة ومغرضة من جهة، وأفراد من جهة أخرى. ولنأخذ سورية أولاً كمثال. حيث أصبحت الإنترنت المصدر الأساس للأخبار، بعد أن رفض النظام السماح للصحفيين المستقلين بالدخول إليها، ولذلك، وبهدف تفادي الطوق الأمني والحصار الإعلامي الذي فرضه النظام، يقوم الناشطون بتحميل صور الانتفاضة باستخدام "بروكسيات" موجودة خارج سورية، لكي يكون من الصعب على النظام تصيدهم بالطرق المعتادة. ولكن النظام السوري بدأ في استخدام طرق ملتوية لملاحقتهم، حيث يقوم بسرقة المعلومات التي تخص بعض الناشطين وتقمص شخصياتهم في غرف التشات وتويتر وفيسبوك وغيرها. وبعد أن يكسب عملاؤه ثقة أفراد المعارضة، يغدرون بهم ويقبض عليهم أو يقتلون. وفي الولاياتالمتحدة، مسقط رأس الإنترنت، غيّرت وسائط التواصل الاجتماعي الطرق التي تُدار بها الحملات الانتخابية نحو الأحسن، ووصل السياسيون الأميركيون بها إلى حد الكمال كوسيلة انتخابية، ولكنها في الوقت ذاته أصبحت مجالا خصباً للألعاب القذرة التي يقوم بها بعض السياسيين ضد خصومهم. إذ تستطيع الحملة الانتخابية تقمص شخصيات خصومها السياسيين، وتنشر بأسمائهم معلومات مغلوطة وآراء اختلقتها عليهم، بهدف تشويه سمعتهم أمام الناخبين. ومن أكثر الوسائل استخدامًا لتشويه سمعة الخصم في هذه الحملة تسجيل حساب باسم المنافس الآخر، بعد تعديله أو إضافة رقم إليه، ثم اختلاق آراء على لسانه تنشر في تويتر أو فيسبوك، ثم تتم مهاجمة تلك الآراء. والمشكلة هي أن القانون ليس واضحاً في ردع هذه التصرفات. فتقمص شخصية الخصوم جائز قانوناً شريطة أن يوضح في مكان ما من المادة الإعلامية، ولو بخط صغير لا يكاد يُقرأ، الهوية الحقيقية لكاتبها. وعلى الرغم من التقدم الكبير في "قانون الإنترنت" ما زال المجتمع الأميركي يعيش في متاهات قانونية لم يتم تنظيمها بعدُ بشكل تام، وتنبع الصعوبة من الحاجة إلى التوفيق بين الحماية الدستورية المشددة لحرية التعبير، مهما كان سيئاً، وبين الحاجة إلى حماية الأفراد وسمعتهم من الإساءة المتعمدة، وهو ما دفع بعض المحامين إلى رفع قضايا أمام المحاكم، ومنها قضايا ضد تغريدات مسيئة في تويتر، بهدف وضع ضوابط واضحة ومحددة. ومثل هذه الأسلوب قد ينجح فيما يخص المواطن العادي، ولكن من المستبعد أن ينجح في قضايا تمس المسؤولين أو موظفي الدولة، إذ يجعل القانون الأميركي من الصعب إثبات دعاوى القذف أو التشهير أو الإساءة إلى سمعة المسؤول أو الموظف العام، بخلاف المواطن العادي. ومن المؤكد أن قرارات المحاكم حينما تصدر بشأن هذه القضايا ستشكل سوابق يمكن من خلالها تدريجياً وضع ضوابط دقيقة ومحكمة. وفي المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، حيث يبلغ انتشار وسائط التواصل الاجتماعي أرقاماً قياسية مقارنة بالدول الأخرى في المنطقة، كان لانتشار تلك الوسائط آثار علمية وثقافية واضحة، فضلاً عن فوائدها الاجتماعية، فقد أسهمت في تسهيل عمليات الإنقاذ والإسعاف في سيول جدة، وساعدت في متابعة قضايا مكافحة الفساد، وغيرها، كما ساعدت في تعزيز التواصل الاجتماعي بين الأسر والأصدقاء. ولكن ثمة جانباً مظلماً لتلك الوسائط في دول الخليج، يتكرر يومياً، وينتشر هذا الأسلوب بين المتطرفين سياسياً ودينياً، أو من لهم أغراض شخصية. وأول ما يلفت النظر في تلك الاستخدامات المسيئة والمغرضة هو انتحال أسماء شخصيات معروفة، وتقمصها والتغريد باسمها مما يسيء إلى مقدسات البلد ومقدراته السياسية. ومن أكثر وسائل الإساءة شيوعاً كذلك تأسيس حساب باسم مزيف، ثم الاختباء وراءه لمهاجمة من لا يتفق معهم في الرأي. وكثيراً ما يتخذ هذا الهجوم شكل حملة مستمرة لا تُبقي ولا تذر، بعضها مبني على ادعاءات باطلة تماماً، أو ادعاءات مبنية على عبارات مبتسرة منتزعة من سياقها، ومن ثم تبنى أكثر التفسيرات إساءة بدلاً من تغليب حُسن الظن. وبعد أن تنتشر هذه الادعات الباطلة أو المشكوك في صحتها، يقوم المتشددون بحصار فريستهم ومهاجمتها في عقيدتها ووطنيتها، أو انتماءاتها المزعومة. وقد استطاع هؤلاء المتشددون في أحيان كثيرة السيطرة على خطاب الإنترنت، مستفيدين من الفجوات والنواقص التي لا بد منها في أي نشاط جديد أو وسيطة تواصل جديدة. وهم بذلك يتحدّون المسؤولين والمحامين لوضع حد لهذه الإساءات. والتحدي أمامنا هو كيف نضع الضوابط والقيود، دون التأثير سلباً على الثورة الإعلامية والمعرفية، الإيجابية في مجملها، التي حققتها الإنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي؟