بيان انتشار الإلحاد الذي وقعه 105 من الدعاة وطلاب العلم ليس مجرد بيان عابر يضاف إلى طابور طويل من البيانات السابقة والتالية التي أصبحت جزءاً من وسائل التعبير لمجموعة أو اتجاه هدفها الأساس تحرير موقف أو تبيان مسألة أو حشد رأي عام تجاه موضوع معين أو محاولة لإيصال الرأي إلى أولي الأمر أو الجماهير، ومع أن البيان ينطوي على نبل المقصد وشرف الغاية إلا أن لغته وأسلوبه وطريقة كتابته خطيرة، وخطورته تكمن في أنه يعبئ الرأي العام تجاه تفكير الإلحاد في صورته الظاهرة بينما هو ينطوي في داخله على تعبئة الشعور العام تجاه منطقة أو مدينة بعينها، والإيغال في هذه الفكرة يكرس نوعاً من الانقسام المناطقي على غرار التعصب العرقي أو المذهبي أو الطائفي لكنه هنا أشد خطورة في أنه يكرس فرقة دينية إذ لو جاء أحد الجهلة المتحمسين وانطبعت في رأسه فكرة انتشار الإلحاد في جدة فإن هذا يعني أن هناك موجة من الردة عن الإسلام فيها، ومعنى هذا أيضا أننا سنعيد حروب الردة جذعة على اعتبار أن المرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل، لكن المشكلة هي في أننا لا نتحدث عن مرتد بعينه وإنما عن إلحاد منتشر في مدينة أو منطقة، ولأقل من هذا قام شباب من بيننا يغمرهم الحماس الديني وينقصهم العلم والوعي بمقاصد الشريعة وأحكامها بعمليات إرهابية ذهب ضحيتها عدد من الشهداء من أهلينا مدنيين وعسكريين، كما أن البيان يأتي بعد حديث سابق قاله البعض بأن سيول جدة سببها ذنوب أهلها وأنها عقوبة من الله عليهم، وتخيل مدينة ينزل فيها كل عام الملايين من المسلمين حاجين ومعتمرين في توجههم إلى مكة والمدينة وهم يسمعون عنها من بعض دعاتها وطلاب العلم فيها هذا الكلام ما الذي ستكون ردة فعلهم وماذا يمكن أن يفعله بعضهم كما فعلوا في لندن وباريس ومدريد وغيرها، ولذلك جاء حديث سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ أبلج فاصلاً في أنها دعوة صعبة تحتاج إلى دليل وأن في جدة وغيرها علماء ودعاة خير وصلاح والحديث بانتشار الإلحاد خطأ لا ينبغي القول به، وإذا وقع من شخص فيه شر وفساد فيجب ألا يعمم على الجميع.