د.سعد بن عبدالقادر القويعي - الجزيرة السعودية هناك فئة من المجتمع تضررت بلا شك من اجتهادات بعض القضاة، بسبب ضعف الملكة العلمية عندهم، وعدم قدرتهم على استنباط الأحكام، أو معرفة مآلاتها الشرعية، والقضائية للدعاوى، لا سيما وأن حجم القضايا التعزيرية المنظورة في المحاكم لا يقل عن “70 -80 %”، من حجم القضايا الواردة للمحاكم في الحق العام. هناك من يُطالب بمشروع تقنين الأحكام القضائية، كونه يصبّ في صالح تحقيق العدالة المنشودة، وسيحدّ في نهاية المطاف من تفاوت تلك الأحكام، خصوصاً في القضايا المتشابهة، والتي أوقعت الجهات القضائية مع الأسف في حرج شديد تجاه الرأي العام، بل وأمام مؤسسات، ومنظمات حقوق الإنسان، والمنظمات الحقوقية. إن نشر المدونات القضائية عبر عملية التقنين في فقه المعاملات، وفقه الأسرة، وفقه الجنايات، وفقه الحدود، وفقه الضوابط، والقواعد الفقهية ذات العلاقة بالمجال القضائي، يُعد مطلباً قضائياً يتفق مع النظام القضائي.. وسيعمل على توحيد الأحكام القضائية لكافة القضاة، عندما يحصل إعلام الأحكام قبل تطبيقها على المكلفين.. وتأمَّل على سبيل المثال، كيف اعتبر القاضي في المحكمة العامة في الرياض، الشيخ حمد الرزين، هذه المدونات القضائية، بأن لها عدة فوائد، وهي: أولاً، أنها تختصر مرحلة أمد القضية عند القاضي عندما تكون المدونة أمامه، متضمنة مواد محددة، ويلزم القاضي بالعمل بها، وثانياً، أن هذه المدونة، ستعين على دقة توقع الحكم القضائي؛ لأن الملاحظ في النظام القضائي الحالي، عدم قدرة المتخصصين من محامين، وقانونيين، وحقوقيين على توقع الحكم الذي يصدره القاضي، باعتبار أن الحكم سيعتمد على اجتهاد القاضي، والاجتهاد بابه مفتوح، ولا يُلزم القاضي فيه بتقنين مذهب معين، مما يوسع دائرة التشكيك في رصانة الأحكام القضائية، ودقتها، ووضوحها، وغالب القضاة يرحبون بالتقنين، باعتباره مخرجاً من هذه الإشكالات”. وزير العدل، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور محمد العيسى، أحد الرجال القلائل الذين يبذلون جهودهم في مجال تدوين الأحكام الشرعية، والمشاركة في توجُّه الدولة نحو إقرار هذا المشروع، وفق قرار هيئة كبار العلماء، الصادر بأهمية التقنين؛ لاختلاف المرحلة التي نعيشها عما سبق.. ولا أبالغ إن قلت: إن بلادنا، هي أولى من غيرها بتطبيق مشروع تقنين الأحكام القضائية؛ لأنها تُطبق الشريعة الإسلامية، وهي أساس الحكم فيها، وأيضاً؛ لانتشار العلم الشرعي بين أبنائها، وهو ما شهد به الدكتور وهبة الزحيلي، أحد أبرز علماء أهل السنّة، والجماعة في العصر الحديث. أدرك، أن هناك محاور بحاجة لشمولها بالدراسة، خصوصاً فيما يتعلق بالقضايا المستجدة.. ولا زلت أذكر تعليقاً لعضو هيئة كبار العلماء الشيخ علي الحكمي، حول هذه المسألة حين قال: “إن هذه الجدلية ليست بالأمر الهيّن، إذ إنها بحاجة إلى درس، وبحث مطول.. وإلى إعداد مستفيض”.. وهذا من ناحية الواقع صحيح، فالثروة الكبيرة من الأحكام، والمصطلحات الفقهية المنبثّة في ثنايا الكتب، والموسوعات الفقهية، وتحديد الرأي الراجح في ضوء الأدلة، وقواعد الاستنباط، بحيث تكون قادرة على مجاراة التطور، والحاجات المتجددة للأمة، يحتاج جهداً جماعياً مضاعفاً، سواء في بحثها، أو في تأطيرها من الناحية الشرعية، والحكم فيها، إضافة إلى ضرورة أن يأخذ هذا الجهد وقته من البحث، والتأمُّل، والمناقشة؛ حتى لا تكون هناك أخطاء.