سأتغاضى وأتفاءل فأتساءل: لماذا يحبوننا؟ عوضاََ عن السؤال الأشهر تداولاََ بعد أحداث سبتمبر: (لماذا يكرهوننا؟). رغم أن ما سأقوله تالياََ لا علاقة له مباشرة بالحب أو الكراهية، بل بالمصالح والتعايش والمعرفة. إذ تشير تقارير عديدة، صادرة عن جهات مختصة بتتبع مسار نمو وانحسار اللغات في العالم، أن الإقبال على تعلم لغة أجنبية يتكثف في أنحاء العالم على ثلاث لغات: الصينية والإسبانية والعربية، ثم تأتي قائمة من اللغات الأخرى ولكن بدرجة أقل من الثلاث الآنفة. أقول هذا وأمامي تقارير رسمية بمرجعيات موثوقة عن: إقبال سويسري على تعلم اللغة العربية، انتشار معاهد تعليم العربية في الصين، تزايد الإقبال على تعلم اللغة العربية في الجامعات والمعاهد الأميركية. اللغة العربية تشهد ازدهاراََ غير مسبوق في تركيا، إقبال متزايد على تعلم اللغة العربية في السنغال، الإيطاليون يتجهون إلى مدارس تعلم اللغة العربية .. وغيرها من النماذج المماثلة. سينبت في ذهن كل مهتم بهذه المعلومة سؤال عن الدوافع التي تحث الناس بازدياد على تعلم الصينية والإسبانية والعربية؟! حسناََ. الإقبال على الصينية هو لأسباب اقتصادية حيث إنك لا يمكن أن تكون رجل أعمال ناجحاً خلال العقد القادم ما لم تكن متقناََ للغة الشبح الاقتصادي المهيمن. أما الإقبال على اللغة الإسبانية فدافعه الأساسي هو التقارير والأرقام التي تقول بأن فيضان اللغة الإسبانية الذي يزحف من جنوب القارة الأميركية نحو شمالها سيمهد خلال سنوات قليلة قادمة للإسبانية الهيمنة على كامل القارة الأميركية بديلاََ عن اللغة الإنكليزية، ولغة القوة العظمى ستكون لغة عظمى! لكن سيبقى التفسير الأصعب هو عن لماذا يُقبل الأجانب من أوروبا وأميركا وأفريقيا وآسيا على تعلم اللغة العربية، فاقتصادياََ نحن نكتوي كل يوم بالتقارير التي تقول أن بترول العرب سينضب قريباََ، وسياسياََ لا تبدو مؤشرات إلى بزوغ دولة عربية عظمى في الزمن المنظور .. خصوصاََ بعد «عمايل» الربيع العربي! الأجانب الذين سُئلوا عن سبب تعلمهم اللغة العربية قالوا إنه لأسباب دينية وثقافية وجيوسياسية، ولارتباط كثير من الأحداث التي تجري في العالم الآن بالعرب والثقافة العربية والدين الإسلامي، وأنها محاولة لفهم ماذا يريد العرب؟! (نحن العرب طبعاً نتكلم العربية لكننا لا نفهم ماذا نريد !!) . ** عجيب أمر العرب، ففي الوقت الذي تصنف لغتهم ضمن أكثر ثلاث لغات أجنبية تعلّماََ في العالم، تنعقد المؤتمرات الدولية والإقليمية والوطنية في العواصم والمدن العربية لمناقشة ضعف استخدام اللغة العربية من لدن أبنائها والعقوق والتهميش الذي تمارسه بعض المؤسسات العلمية والتجارية في الوطن العربي ضد اللغة العربية! ما الذي يجعل الأجانب يُقبلون على تعلم اللغة العربية بينما يُحجم أبناؤها عن استخدامها بالشكل اللائق؟ .. هل هي عقدة الأجنبي، هنا وهناك؟! ينتاب القلق محبي اللغة العربية حين يرون إقبال النشء العربي على الحديث باللغة الإنكليزية من دون مسوّغ أمام جمهور ومستمعين عرب، أو باستخدام الحروف اللاتينية في كتابة كلام عربي (لغة الجن) كما يفعل بعض الشباب أحياناً في رسائل الوسائط المتعددة. لكن بالمقابل تهيمن الطمأنينة على محبي العربية حين يرون هذا الإقبال الأجنبي على تعلّم لغتنا، وتزايد وانتشار نسخ البث العربي لأبرز الفضائيات العالمية بعد أن كانت «البي بي سي» البريطانية وحدها التي تقدم الخدمة للناطقين بالعربية. هذا عدا عن دور قناتي «الجزيرة» و «العربية» العالميتين في توسيع نطاق بث اللغة العربية، وخصوصاََ في فنادق ومصحّات العالم (رغم أن أخبارهما عادة لا تساعد على الاسترخاء ولا الاستشفاء!). ** هذا الاهتمام العالمي بالعرب وباللغة العربية ينفي ما يردده البعض عن «هامشية « العرب في التاريخ البشري (وهو موضوع مقال قادم بإذن الله). ربما كان العرب مزعجين تاريخياََ .. لكنهم حتماََ لم يكونوا هامشيين!