سلوى العضيدان - الاقتصادية السعودية حين دخلت عليَّ في المكتب تلك الأم وابنتها ونظرت إليهما للوهلة الأولى عرفت أن هناك خطباً ما بالفتاة، فقد كانت أمها تمسكها من معصمها بشكل مبالغ فيه وتكاد تسحبها لكأنما هي تجرها نحو حتفها لا نحو مكتب مستشارة أسرية، جلست الأم وهي تنفخ بعصبية بالغة حتى خشيت أن تتطاير أوراقي، نظرت إلى الفتاة كانت شابة يافعة لم تتجاوز ال 20 عاما جميلة كالبدر ليلة تمامه، لكنها كانت في عالم آخر غير عالمنا تسبح في ملكوت الله كأن الدنيا بأسرها لا تعنيها .. قالت أمها: (والله يا دكتورة إنها أتعبتني أنا وأبوها وأنا أخاف عليها أنها تكون عاقة عقليها يا دكتورة وأنا راح أطلع برا عساها تتكلم معك تخيلي طالبة الطلاق من ولد عمها مع أنه من أحسن الرجال.. بنات آخر زمن)، وقامت والدتها وانصرفت بسلام وساد الصمت وتركت تلك الشابة هائمة في عالمها حتى فطنت لرحيل أمها، فنظرت لي وعيناها تتساءلان: نعم، ما المطلوب؟ ولم أتركها كثيراً في حيرتها وإنما قلت لها باحتواء صادق: أنا أسمعك فقولي ما شئت وما ستحدثيني به لن يخرج من خلف هذه الجدران إطلاقا كوني واثقة بذلك، ولكأنما كلماتي إبرة انغرز رأسها ببالون مليء بالماء انهمرت دموعها حرّى وسط عبرات متحشرجة وكلمات موجعة مؤلمة لكأنما هي تنتزع من قلبها انتزاعا..! أتدرون ما حكايتها واعذروني إن أوجعت قلوبكم المرهفة بها! لقد أحبت هذه الفتاة الشابة ابن عمها منذ كانا طفلين معاً وكان كل مَن حولهما يباركون هذا الأمر، لقد جعلته فارس أحلامها في منامها ويقظتها، في حزنها وفرحها، تقاسمت معه حتى أنفاس الحياة ولأن والده كان يحتاج إليه فقد ضحى بتفوقه فلم يكمل دراسته وتوظف بوظيفة بسيطة على عكس توقعات الجميع وحين تقدم لخطبتها رفضه والدها دون ذكر أي أسباب منطقية رغم أنه ابن أخيه ورغم علمه بحب ابنته له، واحتدمت المشاكل بين الأخوين حتى حدثت القطيعة التي دفع ثمنها هذان المتحابان وانهارت هي نفسياً وأجبر عمها ابنه على الزواج من فتاة أخرى، وقبل سنة تقدم لها طبيب شاب فوافق والدها ورفضت هي رفضاً قاطعاً، لكن أهلها جميعاً أرغموها على الزواج تقول: كنت أصرخ لكن لم يسمعني أحد شعرت أن صوتي لا أحد يسمع صداه، كانوا يسوقونني نحو مذبح تمزق فوقه أشلاء قلبي بلا رحمة، أتدرين لماذا يا دكتورة سلوى؟ لأن هذا الزوج هو شقيق الرجل الذي أحببته والكارثة أنهما يعيشان في البيت نفسه يعني أنا أرى من خفق قلبي له كل صباح ومساء، أصبح قلبي مثل بركان قرر أن يثور أمام الحب القديم فخشيت أن يحرقني قبل أن يحرق الآخرين من حولي، لذلك قررت أن أطلب الطلاق، أبي وأهلي يظنوني مجنونة فمن ترفض زوجا طبيباً مثل هذا، لكن ليتهم يعلمون أني لا أملك زمام قلبي، ليتهم يعلمون أني أقاوم نفسي الأمارة بالسوء يومياً، ليتهم يعلمون أي صراع أعيشه كي أظل صامدة ولا أعصي ربي، لقد حاولت أن أقنع زوجي بأن نستقل بسكن خاص بنا لكنه رفض رفضاً قاطعاً تعبت نفسيتي فكرت في الانتحار لكني خشيت عذاب الرحمن وسخطه عليّ، فالشيطان يزين لي المعصية والطلاق سينجيني مما أنا فيه وحسمت أمري! ألم يقل يوسف عليه السلام: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ) يوسف (33). فهل تلومينني إن اشتريت نفسي بورقة طلاقي؟ أنا ومن أحببته بشر ولن نصمد طويلا في بيت نلتقي فيه يوميا! أهلي حين صرخت بوجوههم كيف تزوجوني بشقيق من أحب؟ أنتم تذبحونني .. ترمون بي في نار ستحرقني وتحرقكم. لكن أحداً لم يسمعني أبداً لأنهم قدموا قلبي كعربون محبة لانتهاء الخلاف بين أبي وعمي! وقبل أن أرد عليها طرقت أمها الباب ودخلت بعصبية وهي تقول (ها يا دكتورة عساك أقنعتيها!).