مشكلة النخب السياسية والدينية في عصرنا الحاضر ، الانفصال شبه التام عن موضوع خبرتها وعلمها ، والالتحام الشديد بالجمهور العام ، وكأن الزمن لا يكون لهم إلا إذا كسبوا قاعدة جماهرية عريضة يرهبون بها خصومهم يوم المواجهة العظيم مع خصومهم ، لا يهم أن يكون لديهم موضوع نزاع ، المهم أن يملكون جمهور نزاع ، يضربون بهم كل جدار لتتعزز ثقافة الهدم التي يريدون ، لا شبيه لهم إلا الرسوم المتحركة التي تكسب جمهورها بالسخرية من جمهورها ،ومن حسن حظهم أن العقلية الطفولية تحتاج لردح من الزمن حتى تبلغ الحلم ، وإلى أن يأتي زمن النضج تغيب عنا كل مظاهر حاجتنا للنضج ، ولا حيلة لدينا منصفة مع ثقافة "الجمهور عاوز كده ". أحد الدعاة المخضرمين لا يترك ساحة يستطيع أن يشعل بها غضب الجمهور إلا حمل إليها عدة اشعالها وزادها - بحضوره - لهيبا ، تجده في كل ندوة جماهرية ومحتلا كل مواقع التواصل الاجتماعي على مدار الساعة ، ويحرض أتباعه على ما كان يدعو إليه بالأمس ، ويشتم كل أصدقاء الأمس الذين أنزلوه في منابرهم منزلة طالب العلم ... ، الجمهور لا يطيق تزاحم الأبطال في مشهد واحد ولهذا كل صاحب منبر عدو له ، واستبدل مسمى داعية بالمفكر ليأخذ الدين معه الى أين تكون أهدافه ، بدلا أن يأخذه الدين لمقاصد الدين ، لا يريد أن تكون الأعمال بالنيات ، ولكن يطالب بأن تكون للأعمال ميادين مواجهة تحسب نيات ضحاياها الذين مازالوا يعتقدون إنهم في رحلة بطولية ولكنها مسلية مثل تسلية الأطفال بالأفلام الكرتونية. زمن مشايخنا الأجلاء والورعين "ابن باز ، ابن عثيمين " لم يكن زمن دعاة النجومية الجماهيرية ، يرفضون التصفيق ويعلون من شأن التسبيح ، يطفئون نار الفتة ، ولا يشعلونها طلبا لمجد مزعوم ، يتبعون قاعدة اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ، ولا يتبعون قاعدة اسألوا الجمهور ماذا يريد !! وبعد أن نفرغ من دموع الشوق على هذين الشيخين العظيمين ، نلتمس الأمل الصادق في توجه مؤسساتنا الدينية الرائدة بأن تعلم هؤلاء الذين تسللوا لعواطف الناس بمكر وحيلة ، أن نور الدين لا تطفئه حرائق الفتن وغضب لهيبها. إن اختباء هؤلاء المارقين تحت شعارات "نحن الأكثر علما ونفعا" وجمهورنا على طول المكان وعرضه ، لا ينفع معهم إلا التذكير بأن الأعمال بالنيات ، وبيننا ولله الحمد من هو قادر على أن يفعل ذلك بعلم وتقوى.