هل لأنها وزارة العدل أم أنها الوحيدة، تقريباً، التي تلاحق تقصير موظفيها باعتبار أن دورهم خدمة المراجعين وليس استعراض سيف السلطة؟ بل لأنها مارست الأمرين فبرهنت أن دورها قيادي وأنها قدوة الآخرين ومعيار انضباطهم، فلابد أن تسعى لإجلاء صورة العدالة والقيام بدورها كاملاً في أداء الأمانة، لتكون صورة رائقة للمؤسسة الحكومية الملتزمة بدورها، العاملة على حماية حقوق مراجعيها وإنصافهم. إن فصل أربعين موظفاً من أقوى خطوات محاربة الفساد، لأنه يستهدف بنيته الداخلية، ويخلخل جذوره البيروقراطية، ويضع الموظفين الكسالى، مباشرة، أمام مطرقة النظام ومقصلته الصارمة، بينما نسيها الآخرون في الأدراج ومواد الأنظمة جاعلين المراجعين خارج اهتماماتهم، غير مهتمين بأعدادهم المتراكمة أمام بواباتهم، وشبابيك موظفيهم.وزارة العدل حسمت على آخرين لأنهم أغلقوا المحكمة قبل نهاية الدوام ب15 دقيقة فقط، بينما في وزارات أخرى يسجل الموظفون أسماء زملائهم الغائبين، وإن حضروا ضاع الوقت بين الإفطار والشاي ومكالمات الجوال وإحضار المدام أو الأبناء من المدارس أو الانشغال بسوق الأسهم، وغير ذلك من المشاغل التي ليس من ضمنها خدمة مراجع.لقد كشفت «العدل» قوة النظام الداخلية، وقدرته على الفعل إن تولاه رجال مخلصون، وشباب عاملون يراعون التزامهم لولي الأمر ودورهم في الخدمة العامة. ولو سلكت الوزارات مسلكها لتقلص الفساد وسادت الانضباطية والاجتهاد، واختفت، تالياً، كثير من المشكلات، بما في ذلك المستشفيات التي لا يسأل أحد فيها عن غياب أطبائها وتراكم مواعيدها التي تزيد خارطة الأمراض وتوسع دائرة الأحزان.وزارتا الداخلية والعدل هما الوحيدتان اللتان تتطور خدماتهما إيجاباً، فلماذا لا تعاقب الوزارات الأخرى على إهمالها، أو ربما يكفي شكرهما على تميزهما. هل سيشعر الآخرون بالغيرة أو الخجل؟