محمد بن عبدالله المشوح - عكاظ السعودية ليس غريبا أن يكون معرض الكتاب الدولي الحدث الثقافي الأبرز والأكبر في المنطقة الخليجية والعربية. وليس غريبا أيضا أن تشاهد هذا التزاحم من قبل الناشرين السعوديين والعرب على هذا الحدث الأشهر والأكثر جدلا والأنجح فالمشهد الثقافي السعودي بأطيافه المتعددة كتابة ونشرا وله حضوره ونشاطه ومتابعوه. وكذلك تأثيره الكبير فالكتاب السعودي بتنوعه شرعيا وفكريا وأدبيا وتاريخيا يحظى بالقبول والتقدير والرصد الدقيق من القارئ العربي. ومن خلال علاقاتي بالناشرين العرب وزياراتي وتتبعي لمعارض الكتاب أدركت وسمعت حرص الناشر العربي على القارئ السعودي بل استعداده لتقديم الجديد والمناسب لهذه العقلية القارئة من السعوديين والناشر السعودي كذلك له دور في نشر الكتاب والرأي والفكر السعودي على كافة المستويات. كنت في المغرب قبل أيام قلائل وشاهدت أعدادا من الإخوة المغاربة الذين قدموا إلى المعرض حين علموا أن السعودية ضيف الشرف وتوقعوا أن تكون هناك مبيعات كبرى للكتاب السعودي ولكن فوجئ الكثيرون بأن المشاركة السعودية من الناشرين قليلة جدا وكانوا يبحثون بحماس عن الكتاب الشرعي والديني لما يقدمه علماء المملكة العربية السعودية من بحوث ودراسات رصينة تحظى بالتقدير من قبل كافة المذاهب. القيمة العلمية للكتاب السعودي تقع في قمتها حسب نظري الكتاب الشرعي فالدراسات العقدية والفقهية والأصولية قدمت للمكتبة الإسلامية ثروة لايستهان بها بل أصبحت أحد أبرز المدارس الشرعية في العالم الإسلامي. أنا لا أؤيد أن أجحف بحق الأعماق العلمية والثقافية الأخرى أدبا وشعرا وتاريخا وفكرا ونحن نشاهد جميعا الحراك السعودي وتأثيراته حتى على دول الجوار وغيرها. إلا أن العمق الديني للمملكة العربية السعودية وعلمائها يحتم النظر بروية وعمق وتفهم إلى هذا الجانب الذي يمثل جزءا من قيمة المملكة ورسالتها ودورها المحوري وتأثيرها في الكيانات العلمية والثقافية. إن أفضل وأنسب بل وأحق سوق للناشر السعودي هو معرض الرياض الدولي للكتاب لكي يقدم لكثير من المثقفين الذين يفدون إلى المعرض حاجتهم من غذاء الكتب بشتى أصناف مائدته وهو يمثل في ذات الوقت صدى للخطاب الديني الذي نرفعه وليس ثمة سبيل إلى إيصال هذا الخطاب المعتدل والعلمي القائم على الحجة والدليل والبرهان سوى الكتاب ونافذته المعارض خصوصا أن كثيرا من تلك الإصدارات بل جلها بحوث ودراسات علمية رصينة وتحقيقات علمية جادة خرجت من رحم جامعاتنا الموثوقة وعلمائنا المعروفين بمكانتهم العالمية ولله الحمد. وإن وزارة الثقافة والإعلام أدركت جزءا من هذه الحقيقة للمعرض فسارعت إلى استحداث العديد من المفاجآت والفعاليات وعلى رأسها جائزة الكتاب التي حققت تطلعات العديد من المثقفين الذين طالما نادوا بها وكنت من ضمن أولئك في مقال كتبته في مثل هذه الأيام عند إقامة معرض الكتاب العام المنصرم كما أن هذه الجائزة ينبغي أن تنسجم مع روح المعرض وهموم القارئ والمثقف. وأن يتم العناية بها لأنها تمثل في نظري أحد الروافد المهمة لتشجيع الكاتب والمؤلف. وإذا كان وزير الثقافة والإعلام قد حقق تطلعات المثقفين في القناة الثقافية فإن جائزة الكتاب هي إحدى مآثر هذا الوزير المثقف والتي سوف تحفظ بلاشك في سجله الكبير. الآمال تتطلع إلى انطلاق ومعاودة جائزة الدولة التقديرية التي توقفت سنين طويلة لتعاود ظهورها مؤكدة دور المملكة الكبير وتأثيرها الثقافي وعمقها الفكري والأدبي والعلمي. وأخيرا.. فإن اختيار شعار معرض الكتاب لهذا العام «الحياة قراءة» جسد حقيقة ضرورية ينبغي أن يتم إذكاؤها في روح الشباب والناشئة تمثل إعادة النبض للكتاب الذي صار مزاحما من قبل نتوءات العصر ومستجداته.. ومن هنا فإن السعي الصادق والحثيث من قبل الجهات الراعية للثقافة في ربط المجتمعات بالقراءة هو هدف نبيل يصب في بناء الأمم وقوامها.