قال لي صديق سوري: نحن لدينا شبّيحة النظام الفاسد، وأنتم لديكم شبيحة الثقافة الهوجاء، وقفت كثيرًا أمام هذا القول، وتذكّرت هذا النوع من المثقفين الذين لا همَّ لهم سوى محاولة النيل من غيرهم بتلفيق التهم الباطلة، وتزوير الأدلة الكاذبة، وترديد الأقوال الآثمة، وعلى أيديهم أصبحت الساحة الثقافية مستباحة لكل مَن هبَّ ودبَّ، ومن أراد تصفية حساباته الشخصية مع غيره، ولكل من يهرف بما لا يعرف، مدحًا أو ذمًّا، حتى أصبح شبّيحة الثقافة يفوقون شبّيحة الأنظمة الفاسدة في التنكيل بسمعة غيرهم، والتعريض بمنجزات الناجحين من أبناء جلدتهم، ولم يسلم من أذاهم أحد، يتساوى في ذلك الوزير المخلص والصحفي المجتهد والشاعر المُبدع والمصلح الاجتماعي والمثقف الوفي، فكل هؤلاء في نظر شبّيحة الثقافة، في موضع الاتهام، حتى وإن كانت براءتهم واضحة وضوح الشمس للعيان، فستلاحقهم تُهم التصنيفات الفكرية المضللة، والتصرُّفات الاجتماعية المريبة، ولن يجد هؤلاء الشبّيحة حرجًا في اعتساف النص الديني، لتأييد عنتهم المقيت، وكأن بلادنا قد خلت من العيوب والمشاكل، لينصرف هؤلاء الشبّيحة للقضايا الشخصية بدل القضايا العامة. ليس من الثقافة في شيء أن تظهر هذه الصراعات التي تشوِّه وجه الثقافة الوطنية، وتسيء إلى المثقفين أنفسهم، وتدفع الأبرياء إلى ساحات الاتهامات الباطلة، من خلال ما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي أو الصحف أو الفضائيات، أو وسائل الإعلام الأخرى. شبّيحة الثقافة ينسون ما نعيشه من مشاكل البطالة، وما تخلفه من الفقر والجريمة، وينسون الفساد الإداري والمالي المتفشي في إدارات ومؤسسات كثيرة، وينسون هوامير الأراضي الذين لا يتركون للمواطن فرصة الحصول على أرض، نتيجة سطوة مافيا العقارات التي أوصلت أسعار الأراضي إلى أرقام خيالية لا قدرة للمواطن عليها، إن لم يرهن مستقبله ومستقبل عائلته لأحد البنوك، وينسون ما يلاقيه المستهلك من ارتفاع في الأسعار نتيجة غياب إدارات حماية المستهلك التي تحوّلت إلى حماية التاجر، ليرتكب المزيد من مخالفات زيادة الأسعار دون خوف أو خشية من أحد، وينسون الثروات الطائلة التي تنفق على حفلات مزايين الإبل، بينما عوائل كثيرة لا تجد قوت يومها.. ينسون وينسون، وينشغلون بملاحقة وإدانة تصرّفات الناس والتشهير بهم، وكأنهم أوصياء الله على خلقه. منهم الشبّيحة إذا لم يكن هؤلاء وأمثالهم من المثقفين؟ أو لنقل أنصاف المثقفين، فليس من الثقافة في شيء أن تظهر هذه الصراعات التي تشوّه وجه الثقافة الوطنية، وتسيء إلى المثقفين أنفسهم، وتدفع الأبرياء إلى ساحات الاتهامات الباطلة، من خلال ما يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي أو الصحف أو الفضائيات، أو وسائل الإعلام الأخرى. شبّيحة الأنظمة الفاسدة لا يحاولون إخفاء انفسهم، بل يتحدون كل قيم الأمن والسلام والمحبة، لكن شبيحة الثقافة يحاولون التخفي تحت ستار قيم الفضيلة والذود عن الأخلاق والحرص على المبادئ، وجميعها ادعاءات حق أريد بها باطل، والله المستعان على ما يرتكبون من حماقات، وهم في ذلك لا يهدأون.