من أبرز علامات تخلف المجتمعات ظهور العنصريات فيها، وكلما ازداد التخلف ازداد تمدد العنصريات، وازداد ظلمها وتفحشها، العنصرية أن لا ترى للآخر الحق في الوجود، في الحياة، في الاختلاف، في أن يكون له حيّزه الخاص، في أن يختار شكل حياته، وحتى شكل موته، أن تعتقد أنه أقل من أن يكون له كيان، وذات، واستقلال، لذلك قد تتجه العنصرية نحو إنسان آخر، وقد تتجه نحو مجتمع ما، أو حضارة ما، أو بقعة ما، بل قد تتجه نحو الحيوان، وربما النباتات. من البديهي أن المجتمعات التي تصاب بالخلل والعجز لا تعترف بوجود العنصريات فيها، فهي من أكثر الصفات خفاء على حامليها، وغالبا ما يجد العنصريون لأنفسهم المبرر الأخلاقي لأفعالهم، ولا تسألني إن كانوا على قناعة بمبرراتهم أم لا! لكن الأكيد أنهم يجدون ما يسعفهم على النوم ليلا. من المهم أن تعتني المجتمعات بالكشف عن العنصريات الكامنة فيها، وأن يعتني الفرد بالكشف عن العنصريات الراسخة والمتجذرة والخفية في داخله، عن التناقضات التي يتعايش معها كما يتعايش المريض مع أمراضه المزمنة، وقدرتنا على التعايش مع أخلاقنا، لا يعني أنها منسجمة، أو أن ميزاننا عادل، ربما نكيل بمكاييل كثيرة في الوقت نفسه، ونبرر فعلنا بمحاسن الأخلاق. من أبرز معالم العنصرية عدم القدرة على رؤية الفرد ضمن المجموعة، أي أننا نرى الكلّ، ولا نرى الفرد، نعمّم الصفات على مجموعة ما، وننفي أحقية الفرد أن يكون مختلفا في داخلها، نعمم الصفات على القبيلة، أو الجنس، أو أتباع ديانة ما، أو فرقة ما، أو مذهب ما، ونعتقد أن ثمة صفات جوهرية في هذه المجموعة، تنتقل بالوراثة، ولا يستطيع الفرد أن يتخلص منها، مهما حاول، إلا أن يقرّ ابتداء بتخلف جماعته، أو جنسه، وأنهم يحملون صفات أدنى، ولابد أن تلاحظ أن هذا لا يقرّه أحد بعقله، فالعنصرية سلوك، نرفضها بعقولنا ولساننا، ونقترفها بأفعالنا. من المهم أن تعتني المجتمعات بالكشف عن العنصريات الكامنة فيها، وأن يعتني الفرد بالكشف عن العنصريات الراسخة والمتجذرة والخفية في داخله، عن التناقضات التي يتعايش معها كما يتعايش المريض مع أمراضه المزمنة، وقدرتنا على التعايش مع أخلاقنا، لا يعني أنها منسجمة، أو أن ميزاننا عادل، ربما نكيل بمكاييل كثيرة في الوقت نفسه، ونبرر فعلنا بمحاسن الأخلاقإذا ذهبت إلى صالة الانتظار في المطار، ترى مجموعة هائلة من العمالة القادمة أو المغادرة إلى الهند وبنغلاديش وأندونيسيا وغيرها من الدول الآسيوية، فتنظر إليهم، بأنهم (عمالة)، أو كما يقال (بنغالية)، عقلك لا يسمح لك أن ترى الفرد منهم، لأنك لا تعتقد أنه سيكون مختلفا عن المجموع، حتى حين تنظر إليهم، تنظر نظرة بانورامية، لكنك ربما حدثت أصدقاءك بعد عودتك عن رجل بريطاني، كان جالسا وبيده كتاب يقرؤه، أو طفل أمريكي كان يسأل والده أسئلة ذكية، لقد كنت تنظر إليه باعتباره إنسانا، له استقلاليته الخاصة به، له حياته، واختياراته، وربما لو دققت النظر في أولئك الجمع من الآسيويين، لرأيت من كان يقرأ، لكنّ العقل لم يكن يراهم سوى جمع من الناس. حين نتحدث عن الخادمة في منازلنا، أو السائق، أو العامل، ننعته بصفته، (الخدّامة)، (السوّاق)، (الحارس)، لا نعطيه اسمه، لأننا لا نراه سوى جزء من مجموع، ولا نسمح له أن يكون ذاتا، لها اسمها الذي يميزها عن غيرها، هل تعلم أن بعض السجون تستبدل أسماء المساجين بالأرقام، كجزء من التعذيب، حتى تسلبه استقلاليته، وحياته الخاصة به، وهل تعلم أن بعض البيوت، تأتيهم الخادمة باسم غير مألوف لهم، فيغيّرون اسمها، باسم مألوف وسهل وسلس، أليس ظلما أن نسلب الإنسان ذاته، ونضمه إلى خانة (الخدم)؟! حين يرى (السني) و(الشيعي)، كل منهما الآخر جوهرا واحدا، ويعمّم كل طرف منهما الأوصاف على الطرف الآخر، ويُسلَب الفرد منهم القدرة على الاختلاف، تكون العنصرية قد وصلت إلى حدها البشع، أن يكون أبرز وصف لكل منهما أمام الآخر، هو مذهبه، ويكتفي كل طرف بهذا الوصف ليتعرّف على كلّ صفات الآخر، ويتنبأ بسلوكه في المستقبل، والمصيبة أن تكون هذه العنصرية باسم الدين، بحجة أن عقيدته تدفعه إلى كذا، إذن، هم كلهم هكذا. أشد العنصريات تفشيا، وأكثرها خفاء، عنصرية الرجل ضد المرأة، لنكرر على أنفسنا السؤال نفسه، هل تستوي نظرة الرجل إلى الرجل بنظرته إلى المرأة؟! لكل رجل حياته الخاصة، واختياراته، وطموحاته، وهو يفكر من صغره في هذه الحياة، وهذا المستقبل،فهل ينظر الرجل إلى المرأة النظرة ذاتها؟! هل يعتقد الرجل أن للمرأة حياتها الخاصة، المختلفة، والجديدة، والفريدة، أم أن لكلّ النساء حياة واحدة متشابهة، ومستنسخة، وأن المرأة أقل من أن تتفرّد باختيار شكل حياتها، ومستقبلهاّ! وأنهم (جماعة) و(كتلة) واحدة، تعرف حياتها، وتهيأ لها من صغرها، وتربى عليها، ثم يضغط عليها المجتمع باتجاه أن تكون جزءا من هذا الكل، وليست ذاتا مستقلة، هنا يكمن كثير من العنصرية.