محمد المهنا ابا الخيل - الجزيرة السعودية تقول العرب ثقف بالشيء أي ظفر به وأدركه وثقف الصنعة أي أتقنها، وعند بروز مصطلح (Intellect) للدلالة على النشاط الذهني المعرفي الرامي للوصول لحلول منطقية لمعضلات حياتية، قوبل بمرادف عربي اتفق على دلالته في معنى كلمة (الثقافة)، ولكن الثقافة عند العرب مالت في المعنى لتعبر عن النشاط الأدبي بتمظهراته، فاحتكرها الكتاب والأدباء والشعراء والباحثون في جوف التاريخ عن سير وعبر. وباتت الثقافة في المنظور الغربي مختلفة عن منظورنا العربي فهي لديهم كل النشاطات الإبداعية النظرية الرامية لتحسين المعيشة البشرية وهكذا يكون المثقف لديهم كل مبدع في نشاط يرفع من قدر الإنسان عن بهيميته، أما لدى العرب فالمثقف شخص خارج عن المجتمع الطبيعي، فهو حالم غير واقعي متمرد ذهنياً ودينياً، وأحياناً ينظر له كبوهيمي خارج المألوف، لذا لا دور حقيق للمثقف العربي في معالجة المعضلات الحياتية للمجتمع وإن انبرى لها جوبه بكثير من الشك والريبة في أهدافه وأدواته، فهو تغريبي علماني ويكاد لا يبرأ من تهم أخرى أشد. المثقف هو رجل أو امرأة -التعبير بصيغة المذكر لا يحتكر الدلالة عليه - نهل من المعرفة وحباه الله قدرة على استيعاب الحياة من منظار الناقد، فهو يرى ويدرك المعضلات الحياتية للمجتمع بصورة عامة وجعل الله في ذهن المثقف آلة الإبداع في تصور الحلول والإبداع في التعبير عنها، فتجد المثقف يتعرف على إشكالية اجتماعية تحد من قدرة المجتمع على التفاعل في تكوين سعادة خاصة أو شاملة، فيصيغ نشاطاً إبداعياً يبرز هذه الإشكالية ثم يعرض الحلول التي يبدعها، وقد يكون هذا النشاط قصة روائية، أو شعراً يطرق شغاف القلوب، أو مقالاً أو محاضرة أو لوناً من ألوان الفنون الأخرى كالرسم والموسيقى، والمثقف أيضا يتحسس الضمير الجماعي للمجتمع فيعبر عن تطلعات المجتمع وهمومه والمثقف هو قائد جوقة الإمتاع الفني والأدبي بما ينتج من نثر أدبي غني المعاني ومبدع العبر والطرف وشعر تصويري أخاذ للألباب بجمال وصفه وغني حكمه وموسيقى تطرب الأسماع وتريح القلوب المتعبة ورسم وتصوير تعبر بما لاتعبر به الكلمات، والمثقف حامل لواء نشر الوعي الأخلاقي والقيمي في المجتمع. فعليه مسؤولية التعبير عن الذائقة الاجتماعية العامة ونشرها بين الناس. المثقف العربي إن أراد أن يقوم بدوره كما تحتمه حاجة المجتمع، فعليه أن يتكبد معاناة إقصائية، فهو في معظم تجلياته غير مقبول من فئة تدعي حراسة العقيدة، وهؤلاء ليسوا بالضرورة معظم طلاب العلم الديني، ولذا نجد أن المثقف يوصم بالفجور والظلال إن هو أبدع في شعر أو موسيقى أو فن من الفنون، والمثقف في ذهن هؤلاء دائماً متمثل أفكاراً تحررية وسائر في مؤامرة غربية، لذا يتحرزون الفرص للانقضاض عليه وسلبه احترام الناس إن وجد. هذا الجفاء بين المثقفين العرب ومناوئيهم في المجتمع حجم قدرة المثقف على لعب دور مؤثر في التنمية الاجتماعية، وجعل المجتمعات العربية مجتمعات جافة من الإبداع الثقافي فمجمل الناتج الأدبي العربي في سنة لا يقابل منتج أدبي في بلد مثل اسبانيا، وكذلك في الشعر والموسيقى، لذا لا غرابة أن يكون معظم ما يعرض في تلفزيونات العرب هو إنتاج ثقافي لشعوب أخرى، إن التغريب أو التشريق للعرب سيحدث لا محالة إن استمر العرب في قهر مثقفهيم وسلبهم الموقع الذي لا يكون إلا لهم.