في خطابه أمام مجلس الشعب السوري يوم الأربعاء في 30 آذار الماضي، كان أهم ما لفت في الخطاب قول الرئيس السوري "بشار أسد" أن هناك من يتآمر على سورية. الذين ترقبوا سماع الخطاب أرادوا أن يروا كيف سيرد الرئيس بشار على الأحداث التي عصفت بسورية واعتبرت جد خطيرة بعد أن سقط حوالي مائتين من الشهداء ومئات الجرحى، بعد عقود من الاستقرار الأمني الذي فُرض بالتخويف من القمع البوليسي. وكان السؤال هل سيعلن الرئيس نهاية لتلك الحقبة السوداء بإلغاء الأحكام العرفية والعودة إلى الحالة الطبيعية؟ خلوت بنفسي أقلب الرأي على مختلف وجوهه، أبحث عمن يمكن أن يكون قد عناهم الرئيس بشار بأنهم وراء هذه المؤامرة المزعومة؟ فمن هم هؤلاء المتآمرون على سورية؟ وهل هي مؤامرة خارجية أم أنها مؤامرة داخلية؟ تعالوا نبحث بهدوء عمن يمكن أن يكون قد شارك في المؤامرة، وعلى من تدور هذه المؤامرة، إن كان هناك مؤامرة حقا؟ الإطاحة بالرئيس "حسني مبارك" أزاحت أكبر خصم للنظام السوري في المنطقة، ولم يبق في المحيط العربي من يعتبر خصما للنظام، بمعنى الخصومة. فطهران وبيروت ودمشق، -وإلى حدٍ ما بغداد- هي في محور واحد. ومن عمان إلى صنعاء إلى الرياض إلى عواصم دول الخليج الأخرى إلى الخرطوم إلى طرابلس التي أمدها النظام السوري مؤخرا بطيارين لقصف الشعب الليبي، إلى الجزائر إلى الرباط إلى نواكشوط، هذه العواصم كلها، ليس بينها وبين دمشق إلا الوئام. إذن فالمحيط العربي ليس فيه متآمرون على سورية. خارجيا، بعد مجيء "باراك أوباما" رئيسا لأمريكا زالت العقبة التي كان يمثلها "جورج بوش" ضد سورية لتتمكن من العودة إلى المحيط الدولي، وهكذا كان. ورأينا فرنسا تساعد سورية لتدخل في شراكة مع دول أوروبا. كما قامت حكومة "أردوغان" التركية بالدخول في وساطة حثيثة بين إسرائيل وسورية. ولولا أحداث غزة عام 2009 لكنا شهدنا "كمب ديفيد" سورية على غرار مصر. والحدود السورية لم يعكر صفوها طلق ناري واحد على مدى 40 عاما. لا يقولن أحدٌ إن هذا لم يكن ليحدث من النظام السوري المقاوم الممانع. وأن النظام السوري ما كان ليوقع اتفاقية مثل اتفاقية مصر. فالذين يعرفون "أردوغان" يؤكدون أنه ما كان ليدخل في وساطة، ما لم يكن متأكدا من أن الرئيس بشار سيسير في التسوية إلى آخر الشوط. إذن أين هي المؤامرة التي تحدث عنها الرئيس بشار في خطابه في مجلس الشعب، الأربعاء في 30 آذار المنصرم؟ ومن هم المتآمرون؟ وعلى من يتآمرون؟ قمة المؤامرة هي التآمر على قتل المعارضين: المؤامرة ليست كلمة لغوية إنشائية فحسب، بل هي أفعال مادية محسوسة تظهر نتائجها على الأرض وفي واقع الناس وقد تكون نتائجها كارثية إذا نجح المتآمرون. قال الله تعالى: (وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى قال ياموسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين.. القصص الآية20). هذا الرجل ، وهو مؤمن آل فرعون، حدد المؤامرة بأنها لقتل موسى عليه السلام. فعلى مدى خمسين عاما من حكم حزب البعث في سورية، وأربعين عاما مذ استولى الرئيس الراحل "حافظ أسد" على السلطة كان التآمر يتم من قادة الانقلابات في سورية، بعضهم على بعض، وعلى الشعب السوري، فيتم اعتقال المواطنين في سورية، وأحيانا قتلهم. فأثناء هذه الحقبة السوداء تم اعتقال عشرات الآلاف من السوريين، كما قتل عشرات الآلاف منهم، وتم تهجير مئات الآلاف خارج سورية. فإذا لم تكن هذه هي المؤامرة فما هي المؤامرة إذن؟ الذين فجروا الثورة المباركة لاسترجاع حقوق السوريين، هم من الشباب وأعمارهم بين 20 عاما و25 عاما، وقليل منهم بلغ الثلاثين، فهم لم يعيشوا التاريخ الأسود ولا تآمر السلطة البعثية الحاكمة على سورية وعلى شعبها في بدايات حكم حزب البعث. لذا سأذكّرهم بما يعرفونه وما رأوه رأي العين من هذا التآمر المشين عليهم وعلى سورية. عندما جعلت القيادة القطرية في رأس هرم السلطة التنفيذية فهو تآمر من حزب البعث على الشعب السوري. ليس هذا فحسب، بل والسلطة التشريعية أيضا، عندما فرض أن يكون 55% من أعضاء مجلس الشعب بالتعيين من البعثيين، ويُكمّلون إلى الثلثين بحلفاء للبعثيين من أحزاب الجبهة التقدمية الذين "يبصمون" على كل تشريع دستوري وكل قانون. ولم تسلم السلطة القضائية من تآمر البعثيين، بحيث كانت القيادة القطرية تعين القضاة البعثيين حصرا. بل إن كل وظيفة لها صفة "مدير" احتكرها البعثيون حتى مدير مدرسة ابتدائية. أما المؤامرة الكبرى فكانت تلك التي نفذت في حق سورية كوطن وفي حق سورية كشعب. الذين عاشوا في سورية قبل حكم حزب البعث في آذار 1963، يتذكرون أن الجيش السوري كان يرد الصاع صاعين للجيش الإسرائيلي. ومنذ استلم حزب البعث السلطة بدأت تحيق بنا الهزائم. انهزمنا في حرب حزيران 1967. كما انهزمنا في حرب 1973. وقد كنت شاهدا فيها حيث احتلت إسرائيل أكثر من عشرين قرية فوق تلك التي احتلتها في حزيران 1967، حتى وصل الجيش الإسرائيلي إلى "كناكر" على بعد 20 كيلو متر جنوبدمشق. الآن وفي الوقت القريب، قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف منشأة في موقع "الكبر" شمال دير الزور، ولم يرد الجيش السوري. بل إن طائرات الجيش الإسرائيلي اخترقت حاجز الصوت فوق قصر الرئاسة في اللاذقية، ولم يرد الطيران السوري. كان الناطق الرسمي في كل مرة يقول سنرد في الوقت المناسب. لكن هذا الوقت المناسب لم يأت حتى الآن. ومع ذلك يزعم النظام أننا دولة مقاومة ودولة ممانعة، فأين هي تلك المقاومة وأين هي تلك الممانعة؟ يبقى أن نقول: إن الرئيس السوري ما لم يتدارك الأمر ويحترم إرادة الشعب السوري وينهي احتكار السلطة في سورية، فلن يكون الوضع مختلفا عما حصل في تونس وفي مصر. إلا إذا أراد النظام أن يجرب ما فعله الزعيم الليبي. ولا يعلم إلا الله كيف ستكون الأمور عندئذ، خصوصا بعد أن سال الدم السوري بغير حق.