الإعلام والنقد الموجه للمسؤول هو رسالة إعلامية سامية. وكثرة التقارير المصورة ترفع من مستويات الأداء لدى المسؤول الأمين، وفي نفس الوقت هي شهادات فاضحة للمسؤول الآخر الذي لا يعرف كيف يضبط هذه المسؤوليات رغم تعدد الصحف ووسائل الإعلام المرئية لدينا من سياسية ورياضية واقتصادية ودينية وثقافية إلا أن كل هذه الوسائل تقف مترددة أمام الحوادث والأحداث التي تقع داخل المجتمع السعودي. من أهم هذه الأحداث تلك المتعلقة بالسير والتي يصحبها وفيات. لا يوجد في نشرات الأخبار المحلية أي ذكر لتغطية هذه الحوادث من خلال مباشرتها وإيضاح أسبابها. أنا أتحدث عن حوادث ينتج عنها وفيات، أي فقدان أنفس، وطبيعي أن يحمل أي خبر كهذا أهمية بالغة لأي وسيلة إعلامية إلا لدينا مع الأسف. في القنوات المحلية في مدن وولايات أميركا وكندا وأوروبا يتصدر أي خبر لتصادم سيارات على طريق سريع نشرات الأخبار حتى لو لم توجد وفيات. الأغرب أنه حتى الصحف السعودية أصبحت تهمل هذا الجانب إذا استثنينا بعض حوادث السير التي يذهب ضحيتها طالبات أو معلمات، وكأن بقية الناس الذين يموتون لا قيمة لهم. سبب امتعاضي هنا هو أن للإعلام رسائل توعوية متعددة لكن يبدو أنها غائبة عن فكر وتخطيط المسؤولين عن التلفزيون والصحف. يأتي في طليعة هذه الرسائل الحاجة إلى الوعي العام بخطر التهور في القيادة على سبيل المثال، وكذلك الضغط على المسؤولين في المرور أو في وزارة النقل لإصلاح الخلل وفرض النظام، والتأكد من مطابقة الطرق للمواصفات الدنيا للسلامة. أما لو أن هذه المحطات أو الصحف غارقة بما هو أهم فلربما وجدنا بعض العذر لها. الحقيقة أن معظم هذه المحطات فارغة المحتوى إلا من ساعة أو ساعتين في اليوم تستحق المتابعة. لذلك ومن باب أولى أن تتوجه كاميراتها إلى الشأن الداخلي لتساهم مساهمة حقيقية في رفع مستويات الوعي لدى المواطنين. وما يقال عن المحطات يقال عن الصحف التي لا تتردد في تغطية بعض المناسبات الخاصة كالأفراح مثلاً على صفحات كاملة تحمل صوراً لأشخاص دون أي مضمون وأحياناً بلا أسماء. هذا يقودنا إلى الأصل، إذ هل يوجد مراسلون للمحطات السعودية في مدن المملكة؟ وإن وجد البعض منهم فهل هم متفرغون أم متطوعون وهواة؟ هل لديهم المهنية من خلال التدريب والصقل بما يكفل قدرتهم على إخراج تقارير رزينة وهادفة؟ هل يتمتعون بالحرية من خلال التصاريح لدخول غرف الطوارئ في المستشفيات والتعرف على الحوادث وضحاياها ثم الذهاب مباشرة إلى مكان وقوعها؟ أسئلة كثيرة تحوم في الذهن وأنا أتأمل هذا الصمت المطبق. من الأخبار التي نفتقد تغطيتها محلياً إلى جانب وقوع هذه الكوارث أخبار المجتمع وقصصه المثيرة. هناك مشاريع متعثرة في الطرق العامة.. هناك حفريات لا تحميها عوائق وحواجز أسمنتية كافية وقد وقعت بها حوادث.. هناك أماكن كثيرة لتجميع الردميات غير مصرح لها.. هناك تقاطعات مرورية قاتلة في بعض الشوارع والطرقات.. هناك مطاعم تتسبب في حالات تسمم لا تزورها الكاميرات ولا نعلم عنها شيئا إلا إذا بدأ الناس بالتدفق على غرف الطوارئ.. هناك طوابير انتظار لعاطلين عن العمل أمام بعض الجهات. ما المشكلة لو تم الوقوف على مثل هذه الطوابير وإجراء مقابلات معهم للتعرف على طموحاتهم؟ لماذا لا يتم في هذا السياق الترويج للعمل في القطاع الخاص عبر وسائل الإعلام؟ هذه مواقف ضرورية يتعين على وسائل الإعلام الأخذ بها لدعم توجيهات القيادة بالتوظيف. الذي يجب علينا أن ندركه أن المملكة العربية السعودية قارة كبرى يقطنها مجتمع كبير وحراك واسع في التجارة والنقل والمناسبات، ومن غير المعقول ألا توجد لدينا مواد مثيرة لنشرات محلية يتوغل مراسلو المحطات داخل المجتمع للحصول عليها. هل شاهدتم في أي نشرة تلفزيونية خبراً عن تكدس المسافرين في المطار بسبب تأخر رحلات يفوق المعتاد وهو خبر يستحق التغطية بكل تأكيد؟ هل سبق أن تابعتم في هذه القنوات تغطية إنسانية لحالة معينة عانت من القهر بسبب عقوق أو ظلم أو هروب من عدالة؟ وماذا عن قصص بعض الشباب وتهورهم في الطرقات وغياب المرور والأمن عن ذلك؟ هناك تفحيط في أماكن عامة آخرها المناطق الواقعة تحت كوبري طريق الملك عبدالله الجديد وهناك إغلاق متعمد للطريق لأداء رقصة معينة يمارسها بعض الشباب الذي لم يشعر بعد بهيبة النظام ولا الخوف منه. الإعلام والنقد الموجه للمسؤول هو رسالة إعلامية سامية لا يمكن التقليل من أهميتها. كثرة التقارير المصورة ترفع من مستويات الأداء لدى المسؤول الأمين الذي يحرص على أداء رسالته. في نفس الوقت هذه التقارير شهادات فاضحة للمسؤول الآخر الذي لا يعرف كيف يضبط هذه المسؤوليات والذي يجب عليه تحت الضغط الاعتذار عن العمل وإعطاء الفرصة لغيره. أذكر أن للصحافة دورا فعالا إلى حد ما في العقود السابقة، لكنه كما يبدو اضمحل واختفى في هذه الأيام. أهمية الصحيفة أنها قادرة على الإسهاب والدخول في التفاصيل بطريقة أشمل وأوضح، نظراً لما تملكه من وقت وإعداد ومراجعة تفوق ما لدى المحرر في القناة التلفزيونية. ناشدت معالي وزير الإعلام من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أن يعيد لهذه النشرات الإخبارية والتحقيقات المحلية الهامة أهميتها وبريقها. وأناشد معاليه هنا مرة أخرى، ولن نتوقف عن مثل هذه المطالبات، بالبحث عن نشر كل ما يحمل أملاً في تجاوزنا للأخطاء وتقويم السلوكيات. أملي حقيقة وللمصلحة العامة وطمعاً في الرفع من مستويات الوعي لدى المواطن والمسؤول أن تعود وسائل الإعلام إلى تأدية أدوارها الأساسية، وهي الإثارة التي تحمل النقد من خلال تسليط الأضواء على ما يحدث في الداخل من أخطاء. سكوتنا أو تجاهلنا لمثل هذه الوقائع تقصير معيق للتنمية البشرية بل وحتى الاقتصادية من عدة زوايا لا تخفى على أحد. إنه تقصير "حميد" إن جاز لي التعبير وسببه الوحيد برأيي غياب المهنية وغياب التحفيز وغياب الحماس عند القائمين على هذه القنوات الذين يبدو عليهم أنهم يؤدون أقل الواجبات فقط دون البحث عن أي إبداع.