فيما تنشغل النشرات الإخبارية في المحطات التلفزيونية الفرنسية العامة والمتخصصة أكثر فأكثر بالوضع الداخلي، ينشغل المقيم في فرنسا والباحث عن أخبار العالم في إيجاد الوسيلة التي توصله إلى الحدث، ليصل إلى نتيجة أكيدة وهي أن عليه اللجوء إلى أي مصدر إخباري كان ما عدا التلفزيون. إذ بينما تتصدر تلك الأخبار العالمية، لا سيما «المهمة» منها، عناوين الصحافة الفرنسية ومواقعها الإلكترونية كما مواقع عشرات، كي لا نقول مئات، المدونات الخاصة التابعة في الوقت ذاته للصحف، ينحسر الاهتمام بها تلفزيونياً إلى مجرد مرور سريع مقارنة بالأخبار الأخرى المحلية. وبعدما كان الخبر السياسي الداخلي والخارجي لسنوات مضت، يتصدر نشرات الأخبار على المحطات العامة، والحديث هنا عن تلك التي لا تتطلب اشتراكاً خاصاً والمتاحة لجميع الفرنسيين، باتت الأخبار المتنوعة المحلية هي الحدث الرئيس، حيث من غير المفيد انتظار تغطية تشفي الغليل لحدث عالمي. كما يتحتم على المهتم بهذا الحدث الانتظار وتحمَل سماع نصف النشرة تقريباً قبل الوصول إلى المبتغى. وهذا، لا يحتمل وبخاصة في فصل الصيف. فالمتابع سيلاحظ لا ريب مدى تكرار ما يقال من صيف إلى آخر. فمن حوادث السيارات على الطرق السريعة خلال فترات الذهاب والإياب في العطلة، إلى التقارير المفصلة عن كيفية قضاء الفرنسيين لإجازاتهم مروراً بالشكوى السنوية من الجفاف أو من كثرة الأمطار، واليومية من الطقس «غير الملائم» على الدوام، تتعمق معرفة المشاهد في أحوال الطرق والسياحة والمطاعم التي يتذمر أصحابها من هروب السائحين بسبب الطقس المزري أو بسبب رمضان! من الطبيعي أن ينصب اهتمام المواطن بالدرجة الأولى على ما يحدث في بلده، لكن هذا الاهتمام الذي يكاد أن ينحصر أو بالأحرى يوجه جل عناوينه للمحلي يدفع بكثر من الشباب والمثقفين، لهجر التلفزيون كوسيلة إخبارية، واللجوء إلى الصحافة الورقية أو الإلكترونية، حرصاً على الوقت وعلى الحصول على تفاصيل مهمة غالباً ما يهملها التلفزيون، كما الوصول إلى المعلومة المطلوبة مباشرة... فمثلاً، في يوم اقتحام طرابلس في ليبيا، كان العنوان الأول للنشرات الفرنسية مداولات الفصل الأخير من قضية دومينيك ستروس- كان المدير السابق لصندوق النقد الدولي المتهم بمحاولة اغتصاب عاملة التنظيف في الفندق، وكان على المشاهد تحمل عشرين دقيقة، أي نصف النشرة، على القناة الفرنسية الأولى (لم يكن الوضع بأفضل إطلاقاً على بقية المحطات حتى الإخبارية)، ليستمع من جديد إلى تفاصيل وآراء وتحاليل كان التلفزيون بكل قنواته العامة والمتخصصة يقدمها يومياً على نحو أوصل بعدد غير قليل من الفرنسيين إلى حالة «التخمة» من هذه القضية، وهذا قبل أن يصل إلى خبر جديد ومهم حقًا وهو دخول الثوار إلى طرابلس.