عبدالله آل ملحم - اليوم السعودية مفردة الجهل واحدة من أكثر الكلمات استخداما في الحياة اليومية، كل من يختلف مع آخر لأي سبب من الأسباب هو في الغالب مستهدف لأن يوصف بهذه الكلمة، لإدانته أولا، وليختص النابز نفسه بالصواب فيما اختلفا فيه من حيث المستوى الجهل نوعان أو ثلاثة: بسيط، كامل، مركب. أما من حيث الممارسة فيمكن حصره في: الجهل الفردي الذي يفعله الإنسان وعواقبه مقصورة عليه، وبالتالي لا ترجع لغيره، والجمعي وهو الجهل المشترك، وعليه فالجاهل المشترك هو من تطال جهالته الآخرين، خاصة حين لا تكون له صفة فيما يخوض فيه معهم، أو عندما يتطفل لمشاركتهم بأمر مفترضا أن تدخله نزهة لا ينتظر منها سوى الغنائم وحسب، مغفلا أن الحياة على كفتي مغارم ومغانم وليست جوائز فقط. هذه الجهلانية ومن يمثلها موجودون في أماكن كثيرة، والعلم بوجودهم مطلوب لتفهم وضعهم، والتعايش معهم وفق عقدهم ومأزومياتهم، وليس لإصلاحهم لأنهم موجودون ما وجدت الحياة بتناقضاتها ! وحين يقتحم الجاهل تلك المنعرجات ولا يُصَبِّرُ نفسه على ضريبة تدخله، فإنه يرى نفسه المُحِّقُ والمُتَّطفَلُ عليهم مُخطئين، الجاهل المشارك هو من يريد الناس دوما وفق الصفة التي تنسجها مخيلته وتصوراته لهم، فإذا ما رضوا أو غضبوا فيفترض ألا تحيد انفعالاتهم وردود أفعالهم عن مقاييس فهمه للغضب والرضا، وعليه فرضاهم متأرجح بين الخنوع والذلة حين يريده كذلك، أو الاستبداد والتجبر حين يبتغي هذا التصنيف، وإذا ما غضبوا فغضبهم إما تسلطا واستكبارا حسبه أو غيرةً وحمية حين تقتضي نزواته ذلك، وإذا ما أنفقوا فإنفاقهم مُقيد بتكييفه، فقد يكون جودا وكرما، وقد يكون إهدارا وتبذيرا، وهكذا أحكام حدية متطرفة لا تعرف أنصاف الحلول. الجاهل المشترك ليس بالضرورة أن يكون أميا، في أحيان كثيرة يكون متعلما ومثقفا، ومن هذا المنطلق فهو يسمع بالفروق الفردية، وربما درسها أو درَّسها، لكنه لا يستوعب الاختلاف بين كل شخصية وشخصية، حتى لكأنه يريد الناس نسخا متشابهة كما تشتهي نفسه المأزومة لهم أن يكونوا، جاهلا أو متجاهلا أن حكمة الخلق واستقامة الحياة لا تكون إلا بالاختلاف والمشاكلة، لكن إزاء تفكيره الرغائبي فهو يُعجب بالكذب حين يحقق أهواءه في محاوريه، وينفر من الصدق حين يصادم تطلعه في الصورة التي منته نفسه أن يجدهم عليها. هذه الجهلانية ومن يمثلها موجودون في أماكن كثيرة، والعلم بوجودهم مطلوب لتفهم وضعهم، والتعايش معهم وفق عقدهم ومأزومياتهم، وليس لإصلاحهم لأنهم موجودون ما وجدت الحياة بتناقضاتها!