خالد السليمان - عكاظ السعودية عندما يرتدي التاجر عباءة الجشع فإنه يبدو مألوفا في مجتمع يلعب فيه التاجر الجشع دور الأخذ أكثر من دور العطاء، و يكون جشعه موروثا ثقافيا يتراكم عبر أجيال و أجيال حولت عملية التجارة من مهارة البيع و الشراء إلى مهارة الاحتلاب ! لكن عندما تبدأ الدولة في تكليف القطاع الخاص بإدارة علاقتها بالجمهور في تطبيق بعض الأنظمة أو تقديم بعض الخدمات فإنها بذلك تمنح التاجر سلطة أكبر في علاقته التجارية بأفراد المجتمع، و في حالة التاجر الجشع فإنه يكون يرتدي بالإضافة إلى عباءة الجشع عباءة النظام و القانون ليصبح في موقع أكثر قوة في احتلاب جيوب أفراد المجتمع! و من أمثلة تفويض الدولة صلاحيات علاقتها بأفراد المجتمع للقطاع الخاص الفحص الدوري للمركبات و مراقبة المخالفات المرورية، و غالبا يكون ذلك تفويضا يفتقر لوجود العنصر المحايد الوازن في علاقة المجتمع مع التاجر كمقاول تشغيل ، ففي الفحص الدوري مثلا لا تملك إلا أن تفحص مركبتك و تدفع الرسوم، و في حالة فشل مركبتك في اجتياز الفحص فإن الكلمة الأولى و الأخيرة في تقييم نجاح أو فشل الفحص و لحاجة لتكراره هي لمقاول التشغيل و ليس لأي طرف محايد ثالث ! أما في مراقبة و رصد المخالفات المرورية فإن المسألة تبدو أكثر تعسفا، فالعلاقة لا تتجاوز التبليغ بالمخالفة، و لا يملك الطرف الآخر إلا قبولها مرغما و سدادها لصالح مقاول التشغيل، دون وجود المرجعية المحايدة كالمحاكم المرورية التي تفصل في الاعتراض على المخالفة أو تقدر ظروف ارتكابها ! أخطر ما يمكن أن تفعله هو أن تسلم رقبة المجتمع للتاجر باسم تسخير القطاع الخاص لخدمة المجتمع، لأنه إذا أوقعه حظه العاثر في يد التاجر الجشع، فإن المسألة تصبح تسخير المجتمع لإشباع نهم التاجر !