هاني الظاهري - الحياة اللندنية عندما يُقال إن «الإعلام الجديد» بالغ التأثير على حياة وأفكار الشعوب في عصرنا الحالي، فيمكننا أن نعتبر ذلك أمراً صحيحاً، كون مصطلح «الإعلام الجديد» يشمل حزمة كبيرة ومتنوعة من وسائط الاتصال والتواصل، تندرج فيها مواقع التواصل الاجتماعي، والصحافة الالكترونية، وغرف المحادثة، ورسائل الموبايل، ومواقع وسائل الإعلام وغيرها، لكن الأمر يختلف تماماً ليصبح التأثير البالغ وهماً عندما يقول أحدهم إن هذا التأثير مصدره موقع «تويتر» أو «فيسبوك» مثلاً، وهو الخطأ الذي يقع فيه كثير من الكتّاب الذين يسيطر عليهم الوهم ذاته بسبب البوتقة التي يحبسون أنفسهم فيها، ثم يتصورون أن العالم بأجمعه محبوس داخل المكان ذاته. عندما تكون متابعاً ل «100» شخص مثلاً على «تويتر»، وينطلق 20 من هؤلاء بالتغريد في قضية معينة، وتجد نفسك محاطاً بتغريداتهم من كل جهة، فستتوهم آلياً بأن العالم كله مشغول بالقضية ذاتها، وأنها باتت تتصدر اهتمامات سكان بلدك، على افتراض أن ال20 شخصاً من الدولة نفسها، وإن صادف تغريدهم وجوداً صحافياً نشط بينهم يلتقط طرف النقاش وينشر خبراً عنه، فستقسم وتحلف أغلظ الأيمان بأن القضية المطروحة هي أهم قضايا الساعة، لكن بمجرد أن تفتح نافذة منزلك وتسأل أي عابر في الشارع عن القضية إياها فقد يكتفي بأن يبلغ عنك مستشفى الأمراض العقلية. هكذا يُخلق وهم التأثير في جماجمنا، لكن كيف يمكننا أن ننفي قوة تأثير بعض الحملات الالكترونية على «فيسبوك» مثلاً، خصوصاً أننا نجد وسائل الإعلام تتسابق لتغطيتها والحديث عن تفاصيلها وكل جديد عن مؤسسيها... الإجابة عن ذلك بسيطة جداً، وتتمثل في أن وسائل الإعلام بتغطيتها هي من تصنع الحملة المؤثرة لا «فيسبوك»... فهناك مئات الحملات الالكترونية التي تولد وتموت يومياً من دون أن يعرفها حتى أصحاب الحسابات في «فيسبوك»، لأن مطلقيها لم يتعرفوا على طريقة تسويق حملاتهم إعلامياً... وهذا هو الواقع الذي يمكننا تلخيصه في كون مواقع التواصل الاجتماعي صناديق مغلقة على الموجودين بداخلها تتوقف مهمة فتحها ونثر ما بداخلها «شعبياً» على نشاط وسائط أخرى هي وسائل الإعلام بأنواعها كافة من صحف ورقية والكترونية ومحطات تلفزيونية وإذاعية وهكذا. أما أزمة الوهم الناشئ عن حبس «التويتري» لنفسه داخل «البوتقة» التي أشرت إليها، فهناك حكاية شعبية يمكن تصويرها، تذكر أن إنساناً من العصور القديمة تملكه الرعب من العالم وهرب إلى أحد الكهوف بصحبة زوجته وأغلقه بصخرة كبيرة كان يزحزحها بين فترة وأخرى ليخرج لتوفير الطعام، فيما تفرغت المرأة كلياً لإنجاب الأطفال وتربيتهم وتحذيرهم المستمر من الخروج، لأن الموت متربص بهم خلف الصخرة، وبعد وفاة زوجها وجدت نفسها مضطرة لأن تخرج بنفسها لجمع الطعام للأبناء الذين لا يمكنهم تخيل ما في الخارج حتى ماتت، ووجدوا أنفسهم في مأزق، فقرر أشجعهم أن يخرج من الكهف لجمع الطعام لإخوته على سنّة أبيه وأمه، وكانت صدمته كبيرة جداً عندما أجهر عينيه ضوء الشمس، وشاهد جمال العالم، ولم يجد أي خطر أو موت يتربص به، ثم التقى مجموعة من الناس فأهدوه طعاماً احتفظ به وعاد إلى الكهف ليتقاسمه مع إخوته الذين لم يقنعهم قوله إن العالم كبير وجميل جداً، وأنه ليس خطراً بالشكل الذي يتصورونه، فشكوا في أهدافه من هذه الدعوة، واتهمه أحدهم بالتخطيط لجرهم إلى الموت المتربص بهم ليستولي على الكهف وحده، وصدقه البقية وهجموا على أخيهم الشجاع وقتلوه، ثم جلسوا مضطربين خائفين في كهفهم المغلق حتى ماتوا جميعاً من الجوع والعطش.