د. أمين ساعاتي - الاقتصادية السعودية آخر المستجدات بالنسبة لمحاكمة الرئيس السابق محمد حسني مبارك قيام فصيل جديد من الشباب المصري أطلق على نفسه اسم ""أبناء مبارك""؛ وقامت هذه المجموعة بالتجمهر حول المحكمة التي تحاكم في هذه الأيام الرئيس السابق بغية توصيل صوتها إلى أروقة المحكمة. وإزاء وجود حشد كبير من أهالي شهداء ثورة 25 يناير فكان لا بد من أن يصطدم أبناء مبارك وأهالي الشهداء؛ ومع الأسف - كان الصدام دمويا ومؤسفا. من ناحيتها، فإن إسرائيل تتابع باهتمام بالغ تطورات محاكمة الرئيس محمد حسني مبارك، وتتمنى أن تستغل الحكم للتشهير بالحكومات العربية التي تتعامل مع أبطالها القوميين بالاقتصاص والانتقام، بينما تتعامل إسرائيل مع أبطالها القوميين بكل التقدير والإكبار. ويبدو من تعاقب الأحداث الساخنة في مصر أن الحكم على الرئيس مبارك قد يكون قاسياً وربما يصل إلى درجة الحكم بالإعدام أو السجن المؤبد! وإسرائيل التي لعبت لعبة قذرة وروج إعلامها المنتشر في كل أنحاء العالم بأن أرصدة الرئيس مبارك في الخارج تتجاوز مليارات الدولارات تتمنى أن يصدر القضاء المصري حكما بإعدام الرئيس مبارك، لأنها لا تنسى أن الرئيس مبارك هو الذي ألغى من قاموس العسكرية الإسرائيلية عبارة جيش إسرائيل الذي لا يقهر. لذلك تنال قضية محاكمة الرئيس مبارك من الصحافة الإسرائيلية أعلى درجات الاهتمام، حيث نشرت صحيفة ""معاريف"" تفاصيل واسعة عن تحقيقات النيابة مع الرئيس مبارك. ومما جاء في الصحيفة أن الرئيس مبارك صاح في القاضي: أنت تتحدث مع رئيس وعليك أن تلتزم بالاحترام الواجب، ورد المحقق بحزم قائلاً: لا ترفع صوتك أنت الآن مجرد مواطن عادي وعليك الإجابة عما ما أوجهه إليك من أسئلة. ولا نود أن نزحف إلى مزيد من التفاصيل لأننا نشكك في كل ما يصدر عن الصحف الإسرائيلية، ولقد هالنا هذا الاختراق الرهيب من قبل إسرائيل والولايات المتحدة لدهاليز الحكومات العربية التي أصبحت مستباحة أمام عدو أضحى يعرف ما يدور في غرف نومنا! وإذا كان الرئيس مبارك قد أسس علاقات دافئة مع إسرائيل في السنوات العشر الأخيرة من حكمه، إلاّ أن إسرائيل لا تنسى ولن تنسى أن الرئيس مبارك هو الذي نفذ الضربة الجوية في حرب أكتوبر المجيدة 1973؛ وهو الذي ساوى الطائرات الإسرائيلية مع الأرض، وكذلك هو الذي مهد للجيش المصري بناء جسور العبور، وهو الذي مهد لتدمير خط بارليف واستعادة الأراضي المصرية في شرق قناة السويس. بمعنى أن إسرائيل تعتبر الضربة الجوية التي نفذها الطيران المصري بقيادة البطل المسلم العربي محمد حسني مبارك السبب الرئيس في إلحاق هزيمة ساحقة بالجيش الإسرائيلي في حرب 1973. لذلك فإن إسرائيل تريد أن تقول للعالم إن الحكومات العربية (وليس الحكومة الإسرائيلية) هي التي تعدم أبطالها أمّا إسرائيل فإنها تجل أبطالها وتخلد أعمالهم المجيدة وترفعهم فوق هام السحب. لقد بدأت الآلة الإعلامية الإسرائيلية تلاحق قضية سقوط نظام مبارك بخبر عاجل نشرته صحيفة ""الجارديان"" البريطانية الربيبة لإسرائيل، حيث قالت الصحيفة إن رصيد مبارك في البنوك البريطانية يصل إلى 70 مليار جنيه استرليني. ويومها أخذ الإعلام المصري المغرر به يغني ويرقص ويطالب بريطانيا بتحويل المبالغ الوهمية إلى حسابات الحكومة المصرية لتصرفها على التنمية وتزيد الرواتب وتصلح الاقتصاد المريض. لكن بعد يومين من نشر خبر ال 70 مليار استرليني عادت صحيفة ""الجارديان"" اليهودية النزعة إلى تصحيح نفسها وقالت إن رصيد مبارك في البنوك البريطانية سبعة مليارات وليس 70 مليار استرليني، والمسألة فرقت صفراً، ومن ناحيتها فقد صرحت الوزيرة الأمريكية كلينتون بأن أرصدة مبارك في البنوك الأمريكية تصل إلى مليارات الدولارات. وكل هذه التسريبات الملوثة بالأكاذيب ترمي إلى إنزال أقصى العقوبات بهذا البطل العربي المسلم الذي كسر الشوكة الصهيونية الغربية! ولم يمض وقت طويل إلاّ والمليارات تهبط إلى الملايين حيث أذاع البنك الأهلي المصري أن السيدة سوزان مبارك لا تستحوذ أكثر من مليون دولار، وبعد أيام قلائل أعلن فريد الديب محامي الرئيس محمد حسني مبارك أن الرئيس السابق لا يملك أرصدة في الخارج البتة، وإن كل ما قيل عن أرصدته هو محض افتراء وكذب وليس له أي أساس أو مصداقية. وواضح أن الرئيس مبارك لا يملك رصيداً بهذه الأرقام الفلكية، بل إن الخزانة المصرية الشحيحة ليس فيها ما يتيح للرئيس سرقة هذه المبالغ المليارية الهائلة. هذا من ناحية تهمة استغلال النفوذ والكسب غير المشروع، أمّا قضية الاعتداء على المتظاهرين في ميدان التحرير ووفاة أكثر من 800 شاب متظاهر، فإن المخابرات الأمريكية قدمت إلى الحكومة المصرية - وسط اندهاش المصريين - تسجيلاً يثبت أن الرئيس مبارك هو الذي أصدر أوامره إلى وزير الداخلية حبيب العدلي بأن يطلق الرصاص الحي على المتظاهرين، وأن الرئيس شخصياً وراء قتل هذا الكم الكبير من الشباب؛ وأن هذه الأوامر التي أكدها وزير الداخلية حبيب العدلي في التحقيقات التي أجريت معه كافية لإصدار حكم بإعدام الرئيس لأنه قام بتنفيذ جريمة القتل الجماعي المتعمد. الكثير يستبعد حكم الإعدام، لكن الأكثر يقول إن الثورات الشعبية في كل حقب التاريخ اتسمت أحكامها بالجور والجبروت، فالثورة الفرنسية، والثورة البلشفية، والثورة العراقية، والثورة التشيكية، والثورة الإيرانية، اتسمت بسلسلة من الإعدامات الجماعية المريعة. والسؤال: هل تنتظر المقاصل المصرية أحكاماً جائرة بإعدام حتى من ساوى الطائرات الإسرائيلية مع الأرض وحقق النصر المبين للأمتين العربية والإسلامية؟! إذا حدث هذا ونفذ حكم القصاص - لا قدر الله - فإن إسرائيل ستنصب أقواس النصر والفرح بسقوط القائد الذي تسبب في الهزيمة الساحقة التي لحقت بالجيش الإسرائيلي في أكتوبر 1973، التي ما زالت تشكل إحدى العلامات الفارقة في تاريخ العسكرية المصرية والعسكرية الإسرائيلية!