نجيب الزامل - الاقتصادية السعودية * أهلا بكم في مقتطفات الجمعة رقم 407. *** * حافزُ الجمعة: قبل أن تذهب إلى معركةٍ اختر جنودَك بنفسك بعد أن تكون عرفت صفات كل منهم كي توظف صفاتهم الخَلْقية في إدارة استراتيجيتك. *** * كثيرون مولعون بكرة القدم، وآخرون يعتقدون أنها أُعطِيَت أكثر من حقها وأن أولويات الحياة الجادة يجب ألا تكون الكرة من ضمنها. ولستُ بصدد نقاش الرأيين، فلكلٍّ أدلتُه والزاوية التي ينظر بها إلى الحياة إجمالا، ولكن أكاد أجزم أن كل فردٍ بأي أمة وإن كان مناوئا للعبة سيهمه أن يعرف نتيجة منتخب بلاده، بل يهمه أن يفوز أو يقدم العروض التي تجبر الآخرين على احترام أدائه.. لأن المسألة هنا صارت سمعة عالمية للمنتخب، تنعكس على سمعة البلد ذاته، فلولا كرة القدم لما صار للبرازيل هذا السحرُ الذي يجعل مرور اسمها يسحر السامعين، مع أن في البرازيل عناصر بازغة من عناصر الحياة الجادة، ولكن صفة كرة القدم هي التي صبغتها. يجب أن نعالج الرؤية للمنتخب من هذه الرؤية إذن، بأنه أكبر بوق دعائي لأيّ أمة، إما أن ينعق بما يؤذي الآذان، أو أن يصدح بأجمل الألحان. *** * وفي مباراة منتخبنا التي نطمح فيها للتأهيل لكأس العالم التي جرت حوادثها في مدينة الدمام، كان المنتخب ضائعا تماما، وما أزعج السعوديين أن عناصر المنتخب لم تكن سيئة، ولكن غلب عنصران: سوء توظيف اللاعب لخدمة خطة انتصارية على الأرض، وعزفٌ نشازٌ بين كل الجوقة التي أخرجت أصواتا مضطربةً أبعد ما تكون عن العزف الراقي. كانت الخطة تفتقد عبقرية اختيار العناصر، وسوء توظيف العناصر في الملعب.. كان تيسير مثلا بيدقا ضاع على لوحة شطرنج اللعبة، وتيسير لاعب جيد، ومقاتلٌ صامد، ولكن دوره وضعه في حيرة بين تنظيم دائرة المنتصف أو مشاركة الهجمات والدفاع، فلا نفعت هذه ولا تلك، وهنا كان يجب أن يشارك مع تيسير ذي الحماسة الصلبة لاعبٌ يملك صفاتٍ أخرى وهي قدرة كشف الملعب وقراءة توقعات التصرف الفردي والجماعي للخصم مع قدم حساسة جدا لإرسال التمريرات مع شخصية عازمة ومؤثرة على زملائه، وهذه الصفات لا تأتي من التدريب إنها صفاتٌ تأتي مع الخلق والغرائز مثل المواهب، أو أنها الموهبة ذاتها.. إن "ريكارد" كان غائبا تماما عن اللعبة حتى لو أعد الخطة لسبب مهم؛ لأنه قائد لم يعرف، أو لم تسنح له معرفة صفات كل لاعب على حِدة ليوظفه بالمكان الصحيح.. نعم خطأ يحاسب عليه هو أيضا لأن لا مدرب عالميا أو محليا يرضى أن يقود عناصرَ لا يعرفهم بمواقع حاسمة.. فهُزم المنتخبُ وريكارد معا. *** * اللاعبُ "محمد نور" جوهرة سعودية بلا جدال.. قد يقول قائلون إنه لا ينفع ضمن مجموعة اللاعبين، وقد يقول آخرون إنه نزق الأخلاق ولا يستمع للتعليمات وغيرها من التهم.. وأقول يا عجبا، لو وجدتُ شخصا بطلعاته لعرفت للتوّ أنه فنان، وهذا طبعُ الفنانين أنهم بشخصيات منفردة ومتوحدة، كان "يوسف الثنيان" لاعبُ الهلال فنانا على مستوى الكرة الأرضية وأضعناه لأننا لم نفهم طبيعة الفنان.. إن الجوهرةَ لا تؤخذ من قاع الأرض قشيبة أنيقة، وإنما موحلة خاما ثم يأتي الجوهري فيصقلها.. لا نعيب الفنانَ ولكن نعيب المدرب أو مدير المنتخب الذي تقع بيده الجواهر ولا يعرف أن يصقلها. أنا لا أقول "نور" بشخصه بالضرورة ولكن أي لاعب يملك صفاته، وهي القدرة على كشف الملعب كملاح متمرس، مع قدم رهيبة الحساسية على الكرة، إنها القدم التي يسميها المدربون بمصطلحاتهم السرية " الرِّجْلُ القابضة" أي تلك التي تمسك على الكرة كاليد، انظر "ميسي" مثالا و"رونالدو" و"زيدان" و"بلاتيني".. المنتخب السعودي أيام مجده رزق بعنصرين.. أقولهما لكم في المقتطف التالي.. *** * يوم كان المنتخبُ السعودي يحقق الانتصاراتِ الصعبة كان السببُ عنصرين، فوق ما توافر له من لاعبين عمالقة مثل مهاجم كل العصور السعودية ماجد عبد الله، هما: مدربٌ قريبٌ جدا للاعبين يعرف صفات كل لاعب، وموهوب في توظيف العنصر في المكان والظرف - والظرف مهم هنا في التكتيك الذي يخدم استراتيجية الخطة عند تبديل اللاعبين أثناء اللعب - هو خليل الزياني بارك الله بعمره، وبلاعب الوسط الشاهق المهارة الخَلْقية الفنان صالح خليفة، فكان صالح من لاعبي الوسط الفنانين يكشف الملعبَ وكأنه ينظر إليه من فوق، ويفهم ويستوعب حركات زملائه، ويتوقع تصرف الخصم فيفاجئه مع مهارات في تمويه المراوغة، ثم في التمرير الصائب عبر كل المسافات وزوايا الملعب، ومع وجود ماجد ودفاع قوي كان صالح مموِّنا لأكبر منجنيق عرفه السعوديون في تاريخ اللعبة، وكان الدفاعُ يقرأ صفوف المقدمة بتمريراتٍ كمرور التيارات في عصَب الجسد.. "أوزيبيو" العظيم كان من قارئي اللعبة، و"بلاتيني" و"زيدان"، و"فاروق جعفر" المصري، والآن.. محمد نور السعودي. كنت سأقول من حسن حظنا أن عندنا لاعبا موهوبا لمركز مهم تدور عليه خطة التموين وتغيير اللعب بالكامل مثل نور.. ولكن ماذا تقول عندما تكون الفرصة تدق بابك بعنف، وبدل أن تفتح البابَ تشكو وتصرخ من ضجيج الطرق؟! *** * وترون أن من يقف برأيه ضد لعبة كرة القدم ستكون لديه وجهة نظر قوية، فإن مقتطفاتِ المنتخب منعت ظهور مقتطفاتٍ أخرى مثل "كتاب الجمعة"، و"شخصية الأسبوع" وغيرها، ومنعت عنها.. النور! في أمان الله..