المملكة دولة مختلفة عن محيطها العربي، فهي قوة اقتصادية، وثقل ديني وسياسي لا يمكن مقارنته بالدول العربية الأخرى التي لم تضع ركيزة تذكر للتنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال أربعين سنة عدا ملء ترساناتها بأسلحة لا لزوم لها تقادم عليها الزمن وانتهت صلاحيتها. بمقابل انعدام التنمية في أكثر دول المحيط العربي غير الخليجي تخوض المملكة الآن خطة التنمية التاسعة، التي هي أكبر تنمية في قطاع التعليم، والبحث العلمي والتطور الاقتصادي والعمراني، ودعم البنيات الأساسية. لهذا فالصراخ ببعض شعارات الثورات العربية التي يرددها البعض من الشباب المتحمس هي صدى من الخارج لا يسمع في المملكة، وقد أتيحت لي فرصة مع بعض هؤلاء الشباب في نقاشات واعية منهم، ورأيت أن الأغلبية ترد على كل ناعق ضد بلادنا الرد الكافي، لكنهم أيضا متحمسون لتغيير حقيقي ولا بأس فنحن في زمن تغيير في المزاج العام لكل الشباب العرب. قلت للشباب إني رأيت ما تستكشفونه اليوم وهو يحدث في أوائل الستينيات، وإن ما يجري هو أن العسكر القديم، الذي غيبه الدكتاتور الفاسد يعود بشعارات الخمسينيات عبر عدد من محطات الفضاء مستغلين حماس الشباب العربي، وعندما قلب الشباب النظم أزاح المتربصون هؤلاء الشباب المخلص لوطنه عن الواجهة لتظهر وجوه الستينيات المهزومة من جديد، وهم شيوخ عجائز يطمحون لخطف ما أنجزه حماس شبابهم مبعدين هذا الشباب من الواجهة رغم أن الشباب هم من صمدوا للثورة حتى غيرت الأحوال. وقلت إن من عاش التاريخ مثلي، ليس كمن قرأه في صحيفة أو سمعه من محطة تلفزيون مضللة تنفخ في هشيمها من عجائز اليسار المهزوم في حربين أو ثلاث لفشل تلامسه مع قاعدته الشعبية، وإننا عشنا زمن الشعارات الفارغة، وشهدنا تحولاتها عبر أكثر من أربعين سنة، وما أدت إليه في العالم العربي من حكومات فاسدة امتصت مقدرات شعبها ولم تقم بتنمية البلاد، وما نشهده من ثورات اليوم ينقصها النضج السياسي، وما زلنا ننتظر ثورات على الثورات، وربيعا صادقا يقوم من جديد للتصحيح، فما يحدث اليوم لن تتضح معالمه قبل عقد، أو عقدين من الزمان. أين هم الشباب الثائر؟ ألم يزاحوا للخلف ويأتي نفس السياسي القديم وأحيانا معه العصا الغليظة مختطفا ما يعتقد الشباب أنهم أنجزوه، لأن هذه الحركات وإن أطاحت بحكام فهي لم تقم على قاعدة شعبية تؤمن بالتغير إلى الديمقراطية والطريق طويل نحو عقل شعبي يقبل التغيير اليوم في دول العالم العربي. الملاحظ أن الدول التي وقعت في فوضى الثورات هي دول لم تبدأ فيها بوادر تنمية حقيقية بل كانت دولا ينخرها الفساد المالي والإداري فكانت أن تحركت مصالح أخرى للتغيير لن تتضح نتائجها في وقت قصير.