قيل لعبد الملك: أسرع إليك الشيب.. فقال : شيبني ارتقاء المنابر وخوف اللحن. اليوم ليس ثمة مهمة أسهل من ارتقاء المنابر.. أصبحت طريقا للشهرة والمال والمكانة في المجتمع.. قل ما تشاء.. في خمس دقائق.. في نصف ساعة.. انزل من المنبر.. سيدعوك بعض المأمومين للغداء.. اعتذر منهم.. توجه لأقرب جهاز صراف آلي واقبض راتبك الشهري الإضافي! أصبحت المهمة لدى أئمة وخطباء الجوامع مجرد أداء واجب.. احتاج إمام هذا الجامع خمس سنوات حتى يشعر بما يدور حول الجامع ويخطب عن شؤون الحي.. ظننت أنه يهبط على المنبر من السقف وقد سد أذنيه وأغمض عينيه.. فلا يرى ما يدور حول الجامع، ومن ثم يصعد من حيث أتى، وبالتالي ليس ثمة مبرر كي يتكلم.. وهذا شأن الكثيرين أمثاله.. يأتون ويؤمون الناس في الصلاة أو يخطبون خطبة ليس لها علاقة بحياة الناس إطلاقا.. ثم يغادرون لا أدري إلى أين! في إحدى المحافظات دخلت أحد الجوامع لصلاة الجمعة.. سرني جماله من الداخل ونظافته.. وأعجبني تصميمه.. وفخامة المنبر.. لبثنا دقائق حينما صعد الإمام على المنبر لخطبة الجمعة.. كان يرتدي ملابس أنيقة.. عشمت نفسي أنني سأستمع لخطبة عصماء.. فأنا لم أسمع ولست وحدي منذ زمن خطبة واحدة تلامس الوجدان.. بدأت الخطبة.. شرق وغرّب.. شعرت بالخجل.. قلت في نفسي: ألا يخجل هو؟! كأننا أمام طالب في الصف الرابع واقف أمام السبورة يلقي تعبيرا شفويا عن شهر رمضان.. تمنيت أن أخرج من الجامع! السؤال: كيف يرتقي هؤلاء المنابر.. أن تكون إماما وخطيب جامع فهذه مهمة عظيمة.. مهمة ليست بالسهلة.. وكلنا نعرف دور خطباء الجوامع في الدول العربية.. ألا يوجد هناك مواصفات خاصة لخطيب الجمعة؟ هل مجرد كونه خريج كلية معلمين يشفع له أن يكون خطيب جمعة؟! "خطبت فكنت خطباً لا خطيباً.. يضاف إلى مصائبنا العظام".