تزخر كتب التراجم العربية قديمها وحديثها بجملة: "وهو ينتمي إلى أسرةٍ علميّة معروفة"، والمقصود ب "العلم" هنا هو العلوم الشرعية والعربيّة، وحسب، ويستحيل أن نجد هذه الجملة في ترجمة طبيب، أو عالم فيزياء. ألا يمكننا أن نقول في ترجمة الدكتورة غادة المطيري: "وهي تنتمي إلى أسرةٍ علميّةٍ غير معروفة"؟ يمكننا ذلك، لأن جميع المعطيات تمنحنا الحق في ذلك؛ فأمها، المكنّاة ب "أم الأطباء"، هي السيدة نجاة بنت محمود المطيري، وتحمل درجة البكالوريوس في العلوم، وأخوها الأكبر خالد متخصص في الجراحة التجميلية، ويقيم في كندا، وأخوها عامر يحمل شهادة الدكتوراه في الطب الباطني، وأختها هبة معيدة في كلية الطب، وتدرس الآن الأشعة، في نيويورك، وأخوها الأصغر أحمد طبيب أسنان. غادة المطيري، اسمٌ ظهرَ بشكلٍ فجائي، وهي امراةٌ سعودية في الثلاثينيات من عمرها، متخصّصة في "النانو تكنولوجي"، ترأسُ مركز أبحاث بجامعة كاليفورنيا، بسان دييجو، وتعمل على استخدام "الفوتون"، وهو معدن يدخل الضوء إلى الجسم في رقائق، بغية الوصول إلى خلايا الجسم. ظهر اسم غادة، على لائحة المخترعين الجدد في أميركا، ونالت أرفع جائزة للبحث العلمي في تلك البلاد، على اختراعها الجديد، الذي قد يحل محل العمليات الجراحية، حين أعلنت المؤسسة الوطنية للصحة في أميركا عن مخترعة جديدة في مجال البحث العلمي، من خلال احتفال بمقر المؤسسة الحكومية الأميركية. الأميركيون لم يكتفوا بتقديم غادة المطيري إلى العالم، وإنما منحوها 3 ملايين دولار، في غير مرحلة من مراحل دراستها، لتمكينها من متابعة البحوث في جامعتهم، إذ يؤمّلون أن تعمل على تطوير اكتشافها النادر، مما يحدث تغييراً جذريّا في وسائل التطبيب، دون الحاجة إلى العمليّات الجراحية. غادة، ذات المنح الأميركية السخيّة، لم تُقبل في برنامج الابتعاث، على الرغم من أنها حاولت أكثر من مرة، ومع أكثر من جهة، وقيل لها إن المنح لا تقدم لطالبي الشهادات في تخصصات الكيمياء والهندسة الكيمائية! وأمام هاتين الحالين المتضادتين، فإن غادة لم تعد إلى هنا، ولا لوم ولا تثريب عليها، على الرغم من أنها من هنا، بيد أنها لم تحصل هنا على ما يشد من أزرها، ويدفعها إلى المزيد، وربّما أيقنت أنها لن تجد في بلادها بعض ما وجدته في أميركا. من الوفاء للأرض والأهل أن هذه الغادة، التي لم تُضم إلى برنامج الابتعاث، تنتمي إلى الوطن، بأمنية هي فيها صاحبة الفضل، تقول: "أتمنى أن أحظى بفرصة تقديم محاضراتي، لفترة وجيزة سنوياً، في جامعات وطني الحبيب، لأشرح مدى أهمية البحث العلمي، وقيمة الإنجازات العلمية التي تم التوصل إليها، وليس لدي أي مانع في عقد ورش عمل تثقيفية بالتعاون مع أكاديميي الجامعات لتثقيف الطالبات والطلاب".. يااااااه!! هي هناك، منذ خمسة عشر عاماً، تتعمق في تخصص الكيمياء العضوية الفيزيائية، وتقول كلاماً علميّاً دقيقاً، إذ تتبع كما تقول طريقة الكيمياء الحسابية، لكي تفهم كيفية عدم تمركز الإلكترونات في الجزيئات والبوليمرات، وكيفية نمط العلاقة بينها مع بنية الجزيئات. هذه الغادة تشتكي من عدم النسيان، وتحمد الله على ذلك، فيما يشتكي بقيّة خلق الله من النسيان، داعين الله أن يعيد إليهم خلايا الذاكرة التالفة لأكثر من سبب، وبسبب إجهاد الذاكرة بالبحث عن الحجج، من أجل الانتصار ل "الأدلوجة" التي أشغلت عقولَنا بما لا يضيف إلى مسيرتنا شبراً واحداً إلى الأمام. لنا بعد الإقرار بهذه المعضلة التي تعاني منها غادة أن نفهم كيف تفيد من قراءاتِها العلميّة، تقول: "قرأت الكثير من الدراسات العلمية والبحوث لأشهر الشخصيات، وفي مجالات مختلفة ومتعددة، ومن فضل الله، كنت عندما أقرأ بحثا أو دراسة جيدة، يصعب علي نسيانها وأستعين بها خلال عملي مع استحداث أفكار جديدة تدور حول ذات الموضوع". ذهن غادة المطيري غير مشغول بتصنيفاتنا، ولذا بقي جديداً، يصعب عليه نسيان ما تقرؤه حاملته، وهنا يكمن السرُّ في التميّز. فقط؛ ليت أميركا لا تكون دار هجرتها الدائمة.