بالرغم من تتابع الثورات في بعض بلدان الوطن العربي، وتشابه الأسباب التي أدت إلى اندلاع هذه الثورات الغاضبة، وبالرغم أيضا من تشابه المطالب التي ينادي بها هؤلاء الغاضبون، إلا أن هذه الحكومات لم تغير سياستها في التعاطي مع الثائرين مما يضمن لهم نهاية سعيدة مثل فتح باب الحوار على مصراعيه والاستجابة للمطالب المنطقية والواعية، ترى أين الخلل؟ لماذا ما زلنا نشاهد نفس التفاصيل في كل ثورة؟ هل استعادت الشعوب العربية ثقتها بنفسها وبقدرتها على التغيير، فأصبح لا يرضيها إلا الكمال المفقود؟ أم هي أمية أبدية يتمتع بها المستبدون فلا يستطيعون قراءة الماضي والاتعاظ به؟ تاريخنا الحديث يحتاج الوقوف عنده لإعادة قراءته وتدبر معانيه من جديد، فعندما تتحول الشعوب المضطهدة إلى براكين ثائرة، لا يجب الوقوف في وجهها لصدها، بل تحتاج إلى البحث عن مسار آمن وتوجيهها إليه. وهذا الأمر لاينطبق فقط على الحكومات وشعوبها، بل هو توجيه بالمطلق إلى كل من لديه مرؤوسين يخشى انفلاتهم. فالأمر يبقى داخل نطاق السيطرة والتحكم ما لم يصل هؤلاء المرؤوسون إلى مرحلة الغضب لأي سبب كان، إما بفعل وعود زائفة أو تصريحات تستغفل عقولهم وتتفه مطالبهم. فإن وصلوا إلى مرحلة الثورة والغضب فلا فائدة من المناورة والمماطلة، فالثورات أصبحت ظاهرة على مايبدو، بغض النظر عن كونها ظاهرة صحية أو مرضية، فقد تسربت إلى البيوت والمدارس ودخلت في التعامل بين الوالدين وأبنائهم والمعلمين وطلابهم، وكأن تاريخنا القديم مل من عبارتنا المعتادة (التاريخ يعيد نفسه) فقرر أن يبدأ مرحلة صاخبة وجديدة. نحن الآن في مرحلة حساسة وخطرة تحتاج إلى الاستفادة من التجارب السابقة والرجوع إليها بين الحين والآخر للقراءة والاستنتاج، لكننا حتى الآن لم نجد من وعى هذا الدرس جيدا، وما زال الغاضبون هنا وهناك يواصلون مطالباتهم ويعاملون بنفس الطريقة البائسة. لذلك فمدارس الثورة والثوار حتى الآن، لم ينجح فيها أحد.