كثيراً ما يصطدم بعض القادة الإداريين بواقع بيروقراطي في المنشآت التي يتولون قيادتها، خاصة إذا كان القائد وافداً من جهة خارجية أو كان مدفوعاً بآراء وأفكار مسبقة حول الجهاز الذي يقوده في الوقت الذي قد ينظر إليه أفراد هذا الجهاز باعتباره دخيلاً وقد يعتبرونه عديم الخبرة في شؤون إدارتهم أو أنهم لا يثقون في أهدافه ودوافعه وبالتالي يلجأون إلى المقاومة العلنية أحياناً أو إلى الانكفاء والمقاومة السلبية أحياناً أخرى. ولا شك أن القائد الذي لا يكسر حاجز الريبة والتشكك بينه وبين أفراد الجهاز الذي يقوده سوف يواجه صعوبة حقيقية في تنفيذ برامجه وتحقيق أهدافه، أما إذا تمكن من اكتساب ثقة زملائه ومرؤوسيه واستطاع أن يمزج بين نظرته المستقبلية وحماسه للتغيير وما يحمله من خبرات قد لا تتوافر لدى الجهاز الذي يقوده وبين الخبرات المتراكمة لدى مرؤوسيه فإن فرصته في تحقيق النجاح تتعاظم إلى حد كبير. ولعل الخطوة الأولى نحو تحقيق هذا التمازج تنطلق من فهم الفوارق الثقافية الطبيعية بين القائد وبين البيروقراطي، وهي خمسة فوارق أساسية لخصها الكاتبان الأمريكيان وليم ايجرز وجون اوليري بقولهما إن القائد غالباً ما يتسم بثقة مفرطة في النفس قد تصل إلى حد الغرور في حين أن البيروقراطي ينطلق من مبدأ إحناء الرأس للعاصفة التي يتوقع أن تمر ولو بعد حين، والقائد يتسم عادة بالتفاؤل الشديد الذي قد يصل إلى حد الخيال، أما البيروقراطي فهو واقعي إلى حد يقارب التشاؤم أو حتى التخاذل، الخصلة الثالثة التي تفرق بين القائد والبيروقراطي هي أن القائد أكثر استعداداً للمجازفة أما البيروقراطي فهو يعلم ألا مصلحة له في تعريض نفسه للخطر، ثم إن القائد حريص على الصورة العامة التي يظهر بها أمام الجمهور والرأي العام في حين أن البيروقراطي يفضل الهدوء والابتعاد عن الأضواء، وأخيراً فإن القائد يحرص على تحقيق النتائج السريعة وفي المدى القصير أما البيروقراطي فهو يبرر رويته بالنظر إلى الأهداف بعيدة المدى وعدم استعجال النتائج. إذا استطاع القائد أن يفهم هذه الفوارق التلقائية فإنه يكون قد قطع نصف المشوار نحو تطويع البيروقراطية لصالحه، بدءاً من ضبط خصاله حتى لا تتجاوز حدود المعقول والإيجابي ومروراً ببناء جسور الثقة والتفاهم بينه وبين زملائه وانتهاء بتفهم مواقفهم ودوافعهم وحدود قدراتهم وإمكانياتهم وأسس منطلقاتهم والتعامل معها بما تتطلبه من حكمة وطمأنة وتحفيز وتوجيه، وبذلك تتحقق له فرص النجاح وتتفتح أمامه سبل الوصول إلى غاياته بطرق أيسر وأسرع مما كان يتصور.. لو أننا أدركنا شيئاً من ذلك لكنا أكثر قدرة على توفير الوقت والجهد وتجنب الصدامات التي تتعرض لها مؤسساتنا كلما تعرضت إلى التغيير أو التجديد.