لن أجزم بشيء، فما زالت التحقيقات جارية لدي على قدم وساق للوصول إلى المعتقل فهد السعيد، وقد تكشفت لدي بعض الخطوط، فعلى ما يبدو هذا المعتقل هو نجل الكاتبة أحلام مستغانمي، أو أحد أبناء بدرية البشر على أقل تقدير، فالرسالة التي يتم تداولها في مواقع الإنترنت على أنها رسالة من والدة معتقل اسمه فهد السعيد؛ تشير بوضوح إلى أن المواهب الأدبية والإبداعية في السعودية أوسع وأقدم مما كنا نظن، فالرسالة التي كتبتها – كما هو شائع في منتديات الإنترنت – والدة المعتقل فهد السعيد عبارة عن قطعة أدبية غاية في التماسك والتأثير، تذكرك ببعض مقاطع من رواية الطاهر بن جلون: تلك العتمة الباهرة، على الأقل في مضمونها. منذ أن وقعت عيني على هذه القطعة الأدبية أدركت أن جمعيات الثقافة والفنون والأندية الأدبية في المملكة لم تكن تقوم بواجبها على الوجه الأكمل، بدليل أنها لم تستطع طوال سنواتها السابقة الوصول إلى هذه المواهب الأدبية المتميزة حتى بلغ أصحابها من الكبر عتيا، ولذلك ظهرت مواهبهم لا على شكل رسائل فنية؛ بل على شكل روايات تمثل الرسائل جزءا منها. فلقد بات من الواضح أن تلك الرسالة الموجهة من والدة (فهد السعيد) ليست هي المفبركة، بل إن قصة وجود معتقل اسمه فهد السعيد هي المفبركة أصلاً. الآن تأكد لي وبما لا يدع مجالا للشك أن صحافتنا السعودية باتت حكراً على فئة دون غيرها، لا تسعى تلك الفئة لاستقطاب المواهب الكتابية الفذة، فما ضر صحيفة الوطن، وبدلاً من مقالات حصة آل الشيخ مثلاً وما فيها من غمز وهمز؛ ما ضرها لو تم استكتاب الأديبة الغامضة أم فهد السعيد ومنحها من المساحة ما يكفيها لنشر رسائلها المؤثرة، بالطبع سوف يعلن الزملاء في قسم الرأي استنفارهم، لأنها ستنشغل كثيرا بالحديث عن أيدي المسؤولين ونعومة أصابعهم، كما فعلت وهي تصف يد الأمير محمد بن نايف، علاوة على ذلك يبدو أن هذه الكاتبة الكبيرة تستند إلى مصادر معلومات غير دقيقة على الإطلاق، خاصة الذين نقلوا لها أوصاف يد الأمير محمد لأنها تقول:(يا سمو الأمير؛ بالله عليك أرني "يدك"..! يقولون بأنها غضة، لينة، ملمسها كالحرير، بعض من صافحوك أخبروني، لستُ أحسدك، ولا أتمنى تحول نعمتك، لكن أردتُ أن أخبرك بحالي، بحال يدي).. هكذا لا تتأكد الكاتبة من مصادرها، تماماً كما يحدث مع كثير من كتابنا – هداهم الله – حين ينقلون قصصاً لا تخلو من كونها تعرضاً لا يستند إلا لمصادر هشة وغير موفقة. وبصفتي أحد الذين يعرفون كف الأمير سأتولى الرد على هذه الجزئية، لأؤكد للزميلة أم فهد بأن الذين نقلوا لها ذلك كذبوا عليها وضللوا معلوماتها، لأن يد الأمير – وأكاد أقسم غير حانث ليست غضة ولا لينة ولا ملمسها كالحرير. على أن لي بعض الملاحظات الشرعية على شيء مما جاء في الرسالة السعيدية التي كتبتها أم فهد، فهي تتحدث عن خطيبة ابنها، لأنه وكما تقتضي ضرورة الحبكة الفنية تم اعتقاله بينما كانت أمه تضع اللمسات الأخيرة على حفل زفافه، أي أنه لم يتزوج بعد، ولا تزال تتحدث عن خطيبته لتقع في مخالفة شرعية حين تقول بأن (خطيبته) زارته في السجن، وحظيت معه ببضع دقائق مكشوفة، وهذا والله من التأثر بالعادات والسلوكيات القادمة إلينا من بلاد الغرب، وهو ما يدل على أن حركة التغريب قد آتت ثمارها، ووصلت إلى بيوت بعض الصالحين، فكيف لمخطوبة أن تحظى مع خطيبها ببعض دقائق مكشوفة؟ لحظة التأثير العامة في القصة هي غياب أي ذكر عن والد هذا المعتقل، مما يعطي الحيز الإنساني بعداً أكثر عاطفة حين يبدو أنه يتيم ترك أمه الستينية وإخوته الصغار وخطيبته ذات اللحظات المكشوفة. الآن يمكن القول بأنني تمكنت من العثور على فهد السعيد، إنه هناك في دهاليز الإنترنت وظلمته، يقبع خلف الأسماء المستعارة والقصص الملفقة والأحداث الكاذبة المفتعلة، يقع فهد هناك ولديه أكثر من اسم وأكثر من صفة وأكثر من خطيبة. من الواضح الآن أنه ليس كل ما يقال عن ملف المعتقلين أمنياً صحيحا أو واقعيا، وهو ما يجعلنا نسأل عن الوازع الذي يقف خلف تحريك القضية بهذا الشكل الحركي حالياً،. لقد كان لبيان وزارة الداخلية الذي أوضح فيه أنه لا يوجد في كل سجون المملكة رجل اسمه فهد السعيد وأن كل القصة لا أساس لها من الصحة؛ وقع مؤثر لدى كثيرين ممن نشروا هذه الرسالة وافتتنوا بها، وجعلوها دليلاً على مواقفهم وادعاءاتهم بأنهم في صف المطالبين بتطبيق الأنظمة بحق كل من يتم اعتقاله. القصص غير الواقعية باتت تسرق الصواب والإنصاف عن الواقع. ألا يتم الرد على من يكتبون عن قضايا الحقوق والحريات بأن ما يقولونه حق يراد به باطل؟ كل ما نخشاه أن يكون الحديث عن حقوق المعتقلين ضمن هذا الإطار، وحتى يتكشف ذلك، سوف أتحفظ على فهد السعيد داخل أي من معرفات الإنترنت حتى تحضر والدته لاستلامه.