تصل تقديرات الاستهلاك المحلي من النفط إلى ما يقرب المليوني برميل في اليوم الواحد وهو رقم خرافي لا يستهلكه بقياسات عدد السكان أي مجتمع على وجه الأرض. نحن نشرب في المعدل ما يقارب ربع إنتاجنا من النفط ونستهلك ما يوازي المنتج الكامل للعراق أو الجزائر. وفوق هذا بأسعار مدعومة هي أقل حتى من نصف كلفة الإنتاج. والسؤال: لماذا نشرب في المعدل اليومي ما يوازي ربع إنتاجنا من النفط؟ والجواب، لأننا لم نفكر مطلقاً في البدائل أو الحلول التي نضع بها الخيارات أمام الملايين من السكان وبالخصوص في وسائط النقل العام التي تستهلك وحدها 60% من مجمل الاستهلاك اليومي للنفط. وبالإحصاء فإن أقل من 3% من سكان الرياض يستخدمون الباص للتنقل في أرجاء المدينة، لأن خدمات النقل العام الجماعي نفسها لن تستوعب سوى أقل من 5% من سكان مدينة تقترب من مليونها الخامس من السكان. وحين بات من المستحيل أن تجد خريطة أي مدينة سعودية في الكشك أو المكتبة أو بهو الفندق، فإن الاستحالة الأدهى أن تجد اليوم في طول المدن وعرضها خريطة لوسائط النقل العام. نحن ما زلنا حتى اللحظة نبني الأحياء المترامية ونرسم الشوارع الهائلة ولكن: دون أن تجد في رسمنا كله عشرة أمتار مربعة لموقف – الباص – على طرف الشارع. نحن نبني المطارات ولا ننسى في دهاليزها أي شيء إلا موقف النقل العام الذي يأخذ المسافر إلى قلب المدينة. نحن نجبر كل وافد جديد إلى الذهاب لخردة بيع السيارات ونغريه فوقها بأسعار وقود أرخص من سعر لتر الماء بالنصف. نحن لا نشرب ربع إنتاجنا من النفط فحسب، بكل ما لهذا من هدر مالي، بل نتسبب في إعدام بيئة حياة لا تحتمل أكثر مما تحملت بالفعل. نحن لدينا في هيئة سوق المال ما يزيد عن 30 شركة تأمين واهمة وهمية، ولكننا لم نؤسس لشركة نقل حقيقية بخرائط حقيقية مثلما تفعل كل المدن. نحن نتصرف مع مدننا العملاقة بثقافة القرية. عشرة ملايين ساكن في المدن الأربع الكبرى وما زلنا منذ نصف قرن على مفهوم – خط البلدة – وبالإحصاء الساخر يشرب المواطن في اليوم الواحد من النفط ستة أضعاف ما يشربه من الماء، وهذه حقيقة مضحكة.