احتفلت السفارة الأمريكية في باكستان بالمثليين تعبيراً عن وقوفها إلى جانبهم.. وقال نائب السفير ريشارد هو غلان - الذي شارك في الحفل المقام يوم 26 يونيو الماضي، وحضره أكثر من 75 شخصية – إن بلاده ستدعم حقوق المثليين في باكستان. ووصفت منظمات وهيئات وأحزاب الحدث بأنه "إرهاب ثقافي".. قالت الجماعة الإسلامية (جماعت إسلامي)، أكبر الأحزاب الإسلامية، إن الاحتفال يعد "أكبر الهجمات الأمريكية خطورة" على باكستان بعد هجمات الطائرات بدون طيار. والسؤال الذي يطرحه المراقب: لماذا تحتفل السفارة الأمريكية بهذه الفئة، التي تمثل "مسلكا" كريها ومنبوذا في المجتمع الباكستاني، في هذا التوقيت المضطرب الذي تشهد فيه العلاقة بين البلدين الكثير من التوتر والشكوك؟.. هل هو "غباء" سياسي وجهل ثقافي لم يقدر ردود أفعال المزاج العام أم هو خطوة تريد "اختبار" إرادة و قوة التيار المناهض للوجود الأمريكي؟.. وهل من الحكمة دفع تيار الرفض، في هذا الظرف، إلى "حافة الهاوية" لاختبار قدراته؟. أسئلة تبدو منطقية لمن يتابع العلاقة "المتشابكة" بين هذين البلدين منذ عقود والتي تزداد تشابكاً وتوتراً في الأسابيع الأخيرة حين تحركت الدبلوماسية الباكستانية "شرقا" تعبيراً عن "مغاضبتها" للحليف الأمريكي مما دفع وزيرة الخارجية هيلاري إلى القيام بزيارة خاطفة إلى إسلام أباد. لكنها لم تستطع إزالة "الاحتقان" وموجة الغضب والشعور بالإهانة التي تتعاظم بين قيادات المؤسسة العسكرية بعد عملية بن لادن. كما لم تنجح في تخفيف الشعور بالإحباط والارتباك الذي وقعت فيه الحكومة التي تواجه غضباً شعبياً متنامياً يتهمها بالسلبية والخضوع لإرادة "الأجنبي". ويلاحظ أن المؤسسة العسكرية تواجه "مأزق" تبرير أو تفسير الهجمات الأمريكية داخل الأراضي الباكستانية خاصة أن أغلب ضحاياها من المدنيين الأبرياء وليس المجموعات الإرهابية المستهدفة.. ولم تعد المؤسسة العسكرية تخفي انزعاجها من "العمليات الأمريكية" داخل أراضيها دون تنسيق. وهناك أحاديث وأخبار يتداولها الناس حول "تكوين" جيش سري يديره ضباط أمريكيون لاصطياد أهدافهم مما يعني أن البلد أصبحت أرضاً "مستباحة" وهو الأمر الذي يستفز الباكستانيين ويحرك مشاعرهم ولا يستطيع أي سياسي – مهما كانت قدرته وشعبيته – أن يبرره أو يتغافل عن تأثيره على الاستقرار العام. والسؤال المطروح هو: ماذا تريد الولاياتالمتحدة من باكستان في هذا الظرف؟. وتتشعب الإجابة وتختلف بواعثها بحسب زاوية الرؤية ونظرة المجيب، وموقفه من الولاياتالمتحدة وسياساتها على امتداد خارطة العالم الإسلامي.. فالتيار الإسلامي، في باكستان ومن ينسجم مع رؤيته وتحليله، يرى أن الحرب على الإرهاب "ذريعة" أعطت الولاياتالمتحدة فرصة لتحقيق هدف "استراتيجي" قديم هو إضعاف "باكستان النووية" وإبقاؤها تحت وطأة الحاجة إلى المساعدات حتى لا تكون "نموذجاً" تشجع الآخرين.. ويستشهد هؤلاء بالحملة العالمية التي قادتها الولاياتالمتحدة ضد عالم الذرة عبدالقدير خان وملاحقة شبكته التي تمددت إلى بعض أجزاء العالم وتفكيكها بالضغط والاستدراج.. وهناك التيار الوطني الذي يؤمن بضرورة توفير متطلبات الصراع مع الجارة الهند حتى لا تضيع الحقوق الوطنية. ويرى هذا التيار أن "الحليف" الأمريكي يعمل على أن تبقى باكستان الطرف الأضعف في هذا الصراع حتى تذعن وتتخلى عن "كشمير" ولا تشكل خطراً على نظام لا يقوده البشتون في كابول. وهذا الهدف لا يتحقق إلا إذا بقيت باكستان غائصة في مشاكلها الاقتصادية، مرتبكة في أحوالها الأمنية، منقسمة على نفسها في تحالفاتها السياسية، ولهذا يرفض هذا التيار ما تتعرض له المؤسسة العسكرية من اتهامات بأنها لا "تفعل" ما يجب في الحرب على الإرهاب. وهناك وجهة نظر السياسيين "المحترفين" الذين يرون أن على باكستان أن تلعب دورها في الحرب على الإرهاب وملاحقة خلاياه وتتبع جذوره والتعاون بشكل واضح وعملي في الجهود العسكرية التي تقوم بها الولاياتالمتحدةالأمريكية.. وكان الجنرال مشرف نموذجاً لهذا التيار – ولا يستبعد أن يكون الرئيس زرداري قريباً من هذا المزاج -.. وأصحاب هذا الرأي يحاججون بالواقعية ويدفعون بموقف الولاياتالمتحدةالأمريكية من بلادهم منذ الستينات من القرن الماضي فقد كانت الحليف الأول وما تزال، وإن "افتعال" التناقض معها في هذه الظروف المضطربة لا يدل على وعي سياسي ولا يحقق مصالح وطنية. وهناك أصوات "عملية" ترى أن الولاياتالمتحدة تقدم مساعدات لبلدها مقابل خطوات عملية تهدف إلى القضاء على الإرهاب الذي يهدد أمريكا.. أما المعلن فهو أن الولاياتالمتحدة تريد من باكستان أن تقطع صلتها بالمنظمات الموصوفة بالإرهاب مثل طالبان وشبكة جلال الدين حقاني، والحزب الإسلامي( حكمتيار) وجماعة عسكر طيبة (طيبة لاشكر)، لكن المؤسسة العسكرية – أو لنقل بعض عناصرها الفاعلة – ترى أن تخلص باكستان من حلفائها المحليين يجعلها في موقف الضعيف أمام خصمها الهند حين تنسحب القوات الأمريكية بعد انتهاء مهمتها والتخلص من أعدائها أو انتهاء صلاحية "توظيفهم" في سياستها الدولية.. وأن بلادهم ليس من مصلحتها فقدان الأسباب التي تجعلها "حاضرة" في الواقع الأفغاني، وبدون هذه "الأذرعة" المحلية سيكون من الصعب حضورها المؤثر هناك. وهكذا تبدو الإجابة على السؤال: ماذا تريد الولاياتالمتحدة من باكستان؟ مختلفة درجة التناقض لكن مع هذا التناقض وأسبابه الأيديولوجية ونظرته للمصالح إلا أن الراصد للأحوال هناك يلاحظ "تقارب" الاتجاهات المختلفة، في هذه الفترة، وميلها لإظهار عدم الرضا وإفساح المجال للأصوات المطالبة بموقف حازم من السياسة الأمريكية.. وتتجاوز هذه الأصوات مناقشة القضايا العسكرية والاقتصادية والسياسية إلى المواقف التي "تستفز" الشعور الجمعي الثقافي والقيم الوطنية.. وأن هذا التصرف لا يمكن أن يفهم إلا أنه تحد للشعور العام، ومثاله ما جرى في الأسابيع الماضية حين احتفلت السفارة الأمريكية في إسلام أباد بالمخنثين وأعلنت وقوف سياسة بلادها لدعمهم. وهكذا تبدو "اللعبة" بالغة التعقيد، وتحتاج إلى "إدارتها" بمهارة قد لا تساعد عليها الظروف الباكستانية الاقتصادية المتردية والأمنية غير المستقرة والمزاج السياسي العام الذي لا يتوفر على الثقة في نظامه.