أظهرت محادثات الجانبين الهندي والباكستاني الأخيرة اختلاف وجهتي نظر الدولتين. فالهند تريد حمل باكستان على كف أنشطة الجماعات المسلحة الكشميرية، حين ترى إسلام أباد ان الهند قبلت المفاوضة بعد أن أدركت أنها معزولة إقليمياً. فباكستان تقربت من أميركا، وابتعدت من حليفها الاستراتيجي، حركة طالبان، في ختام اللعبة الأفغانية. والرأيان ضعيفا الصلة بالواقع. فباكستان ترفض التخلي عن الجماعات المسلحة، المرتبطة بالمؤسسة الأمنية الباكستانية، والتي تستنزف هجماتها الهند. والهند لن تقبل بتربع نظام طالباني في كابول. وهي تتفوق اقتصادياً على باكستان، وعلى خلاف اسلام أباد، لا تستجدي أموال الدعم الأميركية. وتنعم الهند باستقرار سياسي، وحكومة مدنية تبسط سيادتها ونفوذها. وفي المحادثات، طلبت دلهي بحث ملف الإرهاب، وعرضت ثلاث مذكرات مفصلة عن الإرهاب الباكستاني المصدر. ولم يتوقع الجانب الباكستاني أن تدرج الهند اسم ضابط باكستاني كبير هو بيرفيز كياني، قائد القوات الباكستانية في روالبندي، في لائحة الإرهابيين، وأن تتهمه بالمسؤولية عن الهجمات في شبه القارة الهندية. والجيش الباكستاني يمسك بمقاليد السلطة بباكستان. ولذا، اضطر، سلمان بشير، وكيل الخارجية الباكستاني ورئيس وفد بلاده الى المحادثات مع الهند، الى عقد مؤتمر صحافي، بلغت مدته ساعة ونصف ساعة، في السفارة الباكستانية في دلهي للرد على اتهامات الهند. وقد تتأزم الخلافات الهندية – الباكستانية في الايام المقبلة، وتضطر ادارة أوباما الى تهدئة الاوضاع واحتوائها. والحق أن أوباما يواجه معضلة حقيقية. فهو يحتاج حاجة ماسة إلى تعاون الجيش الباكستاني في سبيل حمل طالبان على الجلوس الى طاولة المفاوضات. والجيش الباكستاني يطلب ثمناً، لقاء وقف طالبان استنزاف الاميركيين في افغانستان. فهو يريد أن تعيد واشنطن تسليحه، وأن تزوده أسلحة تقليدية تضاهي أسلحة الهند، الخصم اللدود. ويسعى الجيش الباكستاني الى ابرام اتفاق نووي يحاكي الاتفاق المبرم بين الهند وبين إدارة جورج بوش. ولن يقبل الجيش الباكستاني أن تنصّب واشنطن الهند قوة إقليمية متصدرة في المنطقة. وينتظر الجيش الباكستاني أن تبادر واشنطن الى إقناع الهند بالمساومة على كشمير. فباكستان تطالب بشراكة استراتيجية مع واشنطن تكرس باكستان قوة إقليمية. وتراقب دلهي، وعدد من الدول الإقليمية الأخرى عن كثب تبلور خطة ادارة أوباما بباكستان. وبدأت جولة من الاتصالات والمشاورات بين اللاعبين الأساسيين. فوزير الخارجية الهندي سيزور بكين، ورئيس الوزراء الروسي، فلاديمير بوتين، العاصمة الهندية. وترى نيودلهي أن الولاياتالمتحدة لن تفرط بالمصالح الهندية. فالهند حليف استراتيجي راجح. ويشبه التقرب الاميركي من الهند وباكستان استمالة واشنطن الدولتين لكبح التوسع الشيوعي الصيني، في مطلع الستينات، إثر الحرب الصينية - الهندية، في 1962. وسعت الولاياتالمتحدة، يومها، إلى حل مسألة كشمير. ويؤيد رئيس الوزراء الهندي، مانموهان سينغ، التقارب الهندي – الباكستاني، ويدعو الى الاحتذاء على التقارب بين فرنسا وألمانيا، في الخمسينات. ولكن المؤسسة الأمنية والعسكرية الهندية لا ترى رأي رئيس الوزراء، وتعرقل تطبيع العلاقات الهندية - الباكستانية. *سفير هندي سابق، «ايجيا تايمز أون لاين» الهونكونغية، 27/2/2010، إعداد جمال اسماعيل