لم يكن غريباً على مجتمعنا ما يشهده من سجال حول قيادة المرأة للسيارة فقد اعتدنا على ذلك في عدة أمور، منها تعليم المرأة الذي وقف ضده فئة من المجتمع لعادات موروثة ثم ما لبثوا بعد سنوات أن صاروا يطالبون بفتح مدارس، ولولا موقف الدولة الحازم لحرمت المرأة من التعليم فلا نجد اليوم المعلمة والطبيبة وأستاذة الجامعة وغيرها، بل إن الأمر واجه تعليم البنين فهناك من وقف ضد فتح مدارس البنين اعتقاداً منه بكفاية حلقات المساجد، وهناك من وقف ضد تدريس المواد العلمية. قيادة المرأة للسيارة ليست أمراً كبيراً، وكانت المرأة تمتطي البعير، ولم يمانع الأسلاف من ذلك، ولكن الأمر يعود لمعارضة فئة من المجتمع لكل جديد، وتبني معارضتها على توقعات ثم تبني على توقعات نتائج تؤدي بها للمنع، فهم يرون أن قيادة المرأة تؤدي إلى الفساد الأخلاقي وهو توقع أو احتمال، لا يمكن منعه لو منعت القيادة، وهو من ظن السوء بالنساء، وهن مواطنات ذوات عفة وكرامة رضعنها من الأمهات وأورثها لهن الآباء، وقبل ذلك ما في صدورهن من دين، فالمقدمات غير صحيحة ولذا فإن النتائج المبنية عليها غير صحيحة، بل إن التنقل مع سائق أجنبي أو الركوب مع سائق سيارة أجرة أكثر احتمالاً من قيادة المرأة لسيارتها. قيادة المرأة للسيارة لم تكن قضية من قضايا التطور الحضاري في النقل إلا عندنا، وقد اعتاد مجتمعنا على ذلك إلى أن ينتهي المخاض بإقرار ما دار حوله الخلاف، وقد يأخذ ذلك زمناً قصيراً أو طويلاً، ولكنه في النهاية سيكون، وسيسعى المعارضون إليه مثل المطالبين به، هل تذكرون الجوَّال المصوِّر وما دار حوله من خلاف وهو الآن في يد كل الناس رجالاً ونساء. قيادة المرأة للسيارة وسيلة وليست غاية والمرأة تريد وسيلة توصلها لعملها، وإلى المكان الذي ترغب الوصول إليه، وإذا وجدت هذه الوسيلة الآمنة فإن قيادة المرأة ليست غاية في ذاتها، ولو وجد نقل عام بحافلات أو قطارات داخل المدن وخارجها فإن المرأة ستجدها أيسر لها من السيارة الخاصة من جميع الوجوه، ولم تعد بحاجة لسائق أجنبي أو ترجٍ لابن أو أب أو أخ أو زوج لإيصالها وبخاصة في المواقف الصعبة كالمستشفى أو الأوقات المتأخرة، ولو وجدت طالبات الجامعات نقلاً عاماً لما احتجن لأرتال السيارات التي تزدحم بها الشوارع، ولما مات مئات المدرسات في حوادث الطرق، ولما احتاجت دكتورة الجامعة أن تستقدم سائقاً أمياً أجنبياً ليوصلها إلى الجامعة أو المستشفى أن كانت طبيبة مع أن قيادتها بنفسها أسلم لها من كل الوجوه. كل ما قرأته من الممانعين لا يزيد عن افتراضات، منها ماذا لو بنشرت السيارة مثلاً، وكل ما قرأته من المطالبين لم يتطرق لحاجة المرأة بقدر رؤيتهم أن ذلك نوع من التطور أو المجاراة للآخرين، أما حق المرأة في التنقل بوسيلة آمنة فذلك ما لم يتطرق له السجال الذي هو في غالبه تعبير عن رأي أكثر منه مناقشة لحاجة المرأة للنقل وإيجاد البديل في حالة المنع، أما تقليل السائقين الأجانب من جانب المطالبين والحفاظ على أخلاق المرأة من المعارضين فذلك توقع لن يقدم للمرأة شيئاً في حل قضية حق إنساني وهو حقها في النقل، فقيادة المرأة إن كانت لذاتها فهذا شيء وإن كانت علاجاً لحاجتها كالعلاج من المرض فهذا شيء آخر لم يتناوله المتحاورون ولم نخرج بنتيجة في شأن إيجاد وسيلة نقل للمرأة تؤدي لها الحق الإنساني في النقل دون منّة من الآخرين أو حاجة للاعتماد عليهم.