فجعتني معظم عناوين الصفحة الأولى لصحف الأمس، لأنها تكشف بكل وضوح ذلك الميل الاجتماعي المخيف إلى الجنح والجريمة. صحف الأمس أمامي الآن ليست إلا نسخاً مكربنة عن مثيلاتها اليومية. تأملوا الأخبار كي تكتشفوا أن تساهلنا مع خيط الجريمة الأول هو من يقود إلى عقدة الجريمة. تساهلنا في العقاب الذي يستحقه المجرم هو الرسالة التي نبعثها لبقية المجرمين على الطريق. المتهم الذي قبض عليه بعد جريمة الاغتصاب الثالثة عشرة هو بالطبع أول من يعرف أن الدرب كان شبه سالك من يوم جريمة الاغتصاب الأولى. هذا المجرم من وجهة نظري هو أخطر من كل المطلوبين على القوائم الإرهابية. هو لا يوزع القنابل، بل على النقيض يوزع الحلوى على الأطفال القصر كي يستميلهم لسيارته ومن ثم يوقع ضحاياه الأبرياء في نزعته الإجرامية المفزعة. هو يفعل هذا لأنه مثلنا جميعاً يقرأ أخبار القبض على المجرمين في صحف الصباح لكنه مثلنا جميعاً لم يقرأ أبداً إلى أين انتهت بهم دوائر القضاء والتحقيق. لم يقرأ يوماً نهاية العقاب لطابور المجرمين من قبله وبالتالي بات يفهم أن الجريمة مثل – الباب الدوار – على مداخل الفنادق الفخمة: الباب الذي دخلت منه ستخرج منه إن أنت بقيت حول باب المدخل. إرهابي الوديعة الذي قتل رجلي أمن في نجران هو نفسه من قتل رجلي أمن من قبل في الغالية القصيم. هو نفسه الإرهابي (الذي أوقف لدى الجهات الأمنية في عام 1424ه وأدين بحكم قضائي مميز لتورطه بأنشطة الفئة الضالة ثم أطلق سراحه بعد تعهد ذويه بمتابعته وكفالته بعد خروجه) وبالطبع هو نفسه الذي فهم الرسالة على أنها مجرد تعهدات خطية وخروج بالكفالة ومن ثم فليس من المفارقة في شيء أنه قتل رجال الأمن في نجران العزيزة بذات السلاح نفسه وبالقطعة نفسها التي اغتالت من قبل رجلي أمن في القصيم. الشاب الذي قتل في المشاجرة الجماعية في الطائف كان ضحية – الهياط – القبلي. الذين قتلوه فهموا رسالة المد القبلي المخيفة حين أصبحت لكل قبيلة قناتها الفضائية التي تزرع جاهلية العصور الوسطى في القرن الحادي والعشرين.. الذين قتلوه هم بالضبط من فهم رسالة القبيلة حين يقرؤون الصحف مثلنا وهي تلهث وراء مجالس الصلح والعفو حتى أصبح دم القتيل مجرد سيارة لاند كروزر وبضعة ملايين يتساومون حولها في خيمة صلح متخلفة. أسوأ ما في علم الجريمة أن يفهم المجرمون نهاية الطريق بهذه الرسائل.