نسبة كبيرة من القبائل والعشائر عندنا يرأسها رجال مثقفون، ويصطف خلفهم العديد من المثقفين، والأثرياء، وبعضهم تعلم في الخارج، والبعض الآخر سافر وعرف العالم، وتمرس في علوم الإدارة والاقتصاد من واقع مكانته، وكون القبيلة اليوم ينظر إليها بأنها مؤسسة مجتمع مدني، وهي أقدم أنواع مؤسسات المجتمع في العالم، وتحولها إلى مؤسسة مجتمع مدني عصرية سيغير الكثير في حياة أفرادها، مثلا لو قرر رئيس قبيلة أن ينشئ شركة مساهمة عائلية مغلقة لإنعاش أبناء قبيلته، ولم يأت بأجانب بل أتاح فرص العمل برواتب كافية لأبناء قبيلته المحتاجين للعمل، فهم مساهمون ويعملون حتى لو كان المشروع صغيرا جدا، ماذا سيغير هذا في حياة القبيلة، وكيف سينقلها لروح العصر؟ ببساطة ستتحول القبيلة بأفرادها إلى مؤسسة مجتمع مدني معاصر له مصالح، وسيجعل الفرد يعمل لصالح نفسه، ويضيق موضوع التفاخر بالسباقات، وغيرها إلى التفاخر بإنجاز صناعي، أو تجاري يخدم الوطن وينفع الناس، وهي الفكرة القديمة للملك عبد العزيز بن عبد الرحمن يرحمه الله عندما وطن البادية في الهجر، وقد تطور العصر، ومن المؤكد الآن أن أبناء القبائل يعملون في وادي التقنية في الرياض، وفي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بأعمال علمية رائدة، والجميل أن النساء سيمارسن دورهن في المشاركة حسب تقاليد القبيلة. هكذا تخرج القبيلة من عنق الزجاجة للعصر عندما تتحول إلى مؤسسة مدنية لنفع أصحابها، والمنتمين لها، وللنفع العام للوطن، مع الاحتفاظ بكل مقوماتها التقليدية دون مساس بها، وأي شيخ قبيلة مثقف يعرف كيف يغير الحال من التفاخر بالتقاليد القبلية، المنهي عنها شرعا، للتفاخر بالإنجاز، وهو يرسم على برنامج، علمي اقتصادي ليحقق استقلال ونفع أفراد قبيلته، وهي طريق لتعزيز مفهوم الفرد المستقل النموذج الذي يعمل ويعيش ولا يتواكل. لدينا في المملكة رجال كبار في تفكيرهم، موالون للوطن في القبيلة وغيرها، ولدينا شباب يريدون أن يعملوا، ولا أقوى من القناعة والانتماء للوطن وتقاليد الوطن لخلق استقلالية الفرد وهو منتم لكل أصوله وجذوره من مؤسسة مجتمع مدني مثل القبيلة وهي تدخل العصر، فلا يمكن أن يكون أول مقتنياتها ما جد من وسائل وأساليب التقنية من أدوات، وأجهزة اتصال، وتعجز عن جعل العمل شرفا كما هو في كل مناطق العالم.