نفسي، أملي، رجائي، طموحي، أن يتفهم الناس في بلادنا – ابتداء من صانع القرار (أي قرار) وانتهاء بالباعة في إشارات المرور – أن الناس اليوم غيرهم قبل خمس سنوات، ما حدث في السنوات العشر الأخيرة لا يمكن مقارنته بما حدث في كل القرون الماضية ليس على المستوى المادي والتقني، بل على المستوى الفكري للناس، الناس تغيروا كثيرا جدا. هناك سؤال يتكرر كثيرا وهو يدل على حال نفسية وذهنية معينة يعرفها المختصون، فهذا صديق متردد مصدوم غير قادر على تحليل واستيعاب ما يحدث يسألني، قال أنت من مؤيدي قيادة المرأة للسيارة، والاختلاط، وكشف الوجه، وحرية المرأة الكاملة في عملها ومالها ومصيرها، أليس كذلك؟ قلت بلى. قال هل تطبق ذلك على بناتك وزوجتك وأخواتك وأمك؟ السؤال هنا لا مكان له ولا فائدة ومع ذلك تبالهت (من البلاهة) وقلت له، أما أمي فرحمها الله ماتت دون أن أعرفها، وهناك من يقول إن هذا من حسن حظي حتى لا أتحمل أوزارا بعدم البر بها، وهناك من يقول إنه من سوء حظي لأنه فاتني خير كثير، وأما أخواتي وبناتي فمتزوجات ولا أعتقد من واقع معرفتي بأزواجهن – مع فارق السن بين أزواج أخواتي وبناتي – أنهم يختلفون معي فهم جميعا متعلمون ومثقفون ومحترمون ويؤمنون بحرية المرأة في اختياراتها، وأخواتي الكبيرات ربينني - بديهيا - على هذه الحرية، وأنا ربيت بناتي - بوعي - عليها، أما زوجتي ففي الأسبوع الماضي قالت لي: تصرف، فأنا أريد أن أتعلم قيادة السيارة لأنه كما هو واضح سيسمح بذلك، ولأنه لا توجد جهات تعلمها وتريحني فقد قلت لها: أنا سأعلمك كلما أتيحت فرصة، وسأشتري لك سيارة فخمة متى ما تم السماح، ولكن هل أنت واثقة من عدم تعرضك لأي أذى وأنت تقودين سيارتك؟ ولأنني أريد الانتصار عليها بصفتي رجلها ذكرتها بالفرصة التي فوتتها عندما كانت في بريطانيا وكان بإمكانها أن تتعلم قيادة الطائرة وليس السيارة فقط، قالت بدون تردد: دعنا من الماضي الآن الأذى فقط منك ومن أمثالك الذين يتوهمون أننا (حيطة واطية) أنت علمني سواقة وهات السيارة والباقي لا تفكر فيه حتى لا تصاب بمرض الوهم. انتهيت من كلامي فقال صديقي المصدوم: وهل أهل زوجتك موافقون؟ وهنا كدت أنفعل لكنني تماسكت فقلت وأنا صادق: نعم موافقون، قال: وجماعتك والناس حولك هل يوافقونك؟ وهنا لم يعد للحوار سبيل فقلت: هل تريدني أن أسألهم واحدا واحدا حتى أجيبك؟ قال: لا تزعل هذه سمعتك وهذا شرفك! قلت بهدوء: أنا أعرف كيف أصون شرفي وأحافظ على سمعتي، وزوجتي وبناتي وأخواتي يعرفن أن شرفهن وسمعتهن ليس في التفريط في حقوقهن، وإنما في أمور أخرى هن أحرص منك ومني ومن المجتمع عليها. لدينا مشكلة حقيقية ليس عند صديقي هذا ولا عند المجتمع فهؤلاء ضحايا ثقافة معروفة، وإنما المشكلة الحقيقية عند من يستطيع أن يضع الأنظمة ويترك الخيار للناس. الآن هناك رجال لا يقودون السيارة وعندهم بدل السائق عشرة فهل نلزمهم بقيادة السيارة بأنفسهم؟ بديهيا سنقول: لا. إذن لماذا ما دامت المرأة تريد أن تقود سيارتها بنفسها نمنعها؟ ما الفرق هنا؟ تعالوا إلى موضوع الاختلاط وكشف الوجه، من الذي يستطيع إجبار امرأة أن تكشف وجهها أو تختلط؟ ثم من الذي يستطيع أن يقدم لها دليلا جازما قاطعا جامعا مانعا أن الاختلاط حرام أو كشف الوجه حرام؟ لا أحد يستطيع، فلماذا لا نعامل الناس بهذا المستوى من السعة والسماحة التي يتيحها ديننا العظيم الراقي الذي فعلا يصلح لكل زمان ومكان؟ والآن سأعود إلى ما بدأت به وأقول نفسي أن يعلم ويتعلم الجميع أن الناس تغيروا، وأنه بفضل ثورة الاتصالات أصبحوا يفهمون الدين الإسلامي على حقيقته لا كما يريد بعض المتطرفين أو المتزلفين أو المزورين أن يصوروه، الإسلام جاء لخدمة وعزة الإنسان رجلا وامرأة دنيا وآخرة، وليس لإذلاله وامتهان كرامته ومصادرة حريته كما يريد البعض. الإسلام أعظم وأكمل وأروع مما يريد أصحاب الفكر الأحادي والفهم الضيق.