يذكر الأستاذ خالد المشوح في كتابه "التيارات الدينية في السعودية" (أن العينات الشبابية التي اختطفت إلى مواقع الموت في العالم لايمكن تجاهل السطحية المعرفية لديها, ولاسيما إذا عرفنا أن أحدهم كان يقاتل في مخيم نهر البارد في لبنان ضد الجيش اللبناني ظاناً أنه في ( جنين) وأن القتال ضد الجيش الإسرائيلي! ) لعل هذه الحادثة بالتأكيد هي عينة صغيرة تعكس مجموعات شبابية كبيرة كانت ومازالت أسيرة لثقافة الانصياع والرضوخ إلى الدرجة التي عطّلت بداخلها جميع الملكات العقلية المتسائلة او الناقدة أو حتى المستفسرة , لتتحول بالتالي إلى رصاصة صغيرة في رشاش العنف السياسي , فيغدو الطموح هو امتشاق السلاح والتحرك ضمن ذلك الوعي البسيط للالتحاق بجماعات توظفه حركياً لخدمة أجندات مثالية منبتّة عن الواقع . فتيارات العنف الإسلامي كان لها عدد من الأدبيات التي مابرحت تستقطب الاتباع عبر أكثر من وسيلة قد يكون على رأسها المواقع الإلكترونية , بالطبع هذه الأدبيات مسرفة في تطرفها لأنها تقوم على تكفير فكرة الدولة، وتراها فكرة جاهلية تتعارض مع إرث الخلافة , مع تكفير الدولة نفسها لأنها تتبنى أنظمة دولية طاغوتية , ولابد من مواجهتها عبر الجهاد الذي هو حسب رأيهم (عبادة مقصودة لذاتها) ويمضون في تطرفهم حدا كبيرا من حيث القتل على شبهة الردة , وتصفية الكفار الذين يعيشون بيننا لأنه ليس لهم عهد.. ولنا أن نقيس هنا من هم الكفار برأيهم ؟ فهم بالتأكيد يضمنونهم أول من أحضر خريطته الجيولوجية ليكتشف آبار النفط في المملكة إلى آخر عامل دخل أمس مطار الملك خالد الدولي، إلى أن يصلوا إلى أن فتاوى الجهاد لاتؤخذ إلا عن شيوخهم ومن يسمونهم بأهل الثغور , ويرفضون الفتاوى الأخرى , لأنها صدرت عن (وعاظ السلاطين) بحسب قولهم . بالطبع هذا الفكر التكفيري الذي اجتاح العالم على الرغم من انحساره في الكثير من البلدان، وتقلص عدد أتباعه وانكماش فتاواه , لكن لانستطيع أن نزعم بأنه اختفى أو تلاشى . بل مازال هناك حواضنه ومحرضاته وبيئته المستحثة وأفكاره المخصبة .. فكر حركات العنف السياسي لم ينبت فجأة كالكمأة وسط الصحراء , بل مرّ بمراحل متعددة انتقل فيها من الفكرة الطوباوية إلى العمل الميداني الحركي . على المستوى المحلي كان أول من اقتحم هذا الفكر وواجهه هو الإعلام , فهو الذي خاض هذه المواجهة بجسارة خولتة لأن يخترق هالة القداسة التي كان يرفعها بعض الآباء الروحيين حوله , وحول رموزه وأدبياته , الصحافة والإعلام عموما هما أول من فتح النوافذ، وسمح لضوء الأسئلة بالدخول , وجاس الكثير من الزوايا المظلمة المنكفئة على يقين التمام العصي عن النقاش . ايضا لانغفل الدور الذي مارسه مركز الحوار الوطني كرؤية وكمشروع والذي استطاع بدوره أن يسقي أرضا مجدبة أسيرة فكر أحادي بهدف أن يحولها إلى حقل مخصب بأفكار التسامح وقبول الآخر والتعددية , وإن كان في المرحلة الأخيرة قد تورط المركز باللقاءات التي تتحدث عن قضايا خدمية، وحاد عن مسار مفهوم الحوار الوطني كغاية وطنية بحد ذاتها تحتمها المرحلة . تيارات العنف الديني التكفيرية مصيرها التلاشي والتفتت لأنها مغلقة على يقينها، وغير قادرة على التعايش مع العالم , ولأن فكرها لايمتلك التكامل المنطقي الداخلي الذي يكفل له الاستمرارية والصمود , مع هذا لابد من الاستمرار في تقليصه والحد من تغلغله وكفكفة مواطن نفوذه , لذا يؤمن الكثير أن السلاح الوحيد لتفكيكه ومواجهته هو عبر الحوار , وعبر تأجيج الفكر النقدي الذي يكشف عن هزال مضمونه وانقطاعه عن محيطه , مع رفع سقف حرية التعبير , لأن الطرح الإعلامي المسؤول دوماً يمتلك الوسيلة المثلى للمواجهة والتعرية . فوحده الإعلام الحر المسؤول هو مركب النجاة المستقبلي..